من
بين الرموز التي ابتدعها الإنسان لتسهيل عمله عن طريق "التجريد" كان
استخدامه لحروف الأبجدية للدلالة على كميات متغيرة في حساباته، كل منها يدل على
أمر ما تتغير قيمته بين لحظة وأخرى، مثل الأسعار أو درجة الحرارة أو الزمن التي
يمكن أن يشار إلى كل منها بحرف مثل p للأسعار، و T لدرجة الحرارة، و t للزمن. هذا في العموم وعندما نتحدث عن المكان فهناك الارتفاع
والعرض والطول، ونستخدم عندها z للارتفاع و y
للعرض و x للطول.
ولكن
ما هو أصل فكرة استخدام الحروف كناية عن القيم المتغيرة؟ وكما معروف، فالجبر هو
اختراع إنساني صاغ أفكاره الأولى الخوارزمي في القرن التاسع الميلادي، ووضع كتاباً
بعنوان "المختصر في حساب الجبر والمقابلة". تمحور جل اهتمام الخوارزمي
على حل معادلة الدرجة الثانية التي يدرسها الطلاب اليوم في المرحلة الإعدادية، وأنشأ لذلك طريقة الإتمام (الجبر) إلى مربع كامل، ومن هنا
جاءت كلمة الجبر، وبعد هذا الإتمام يجد الخوارزمي الحل عن طريق المقابلة المباشرة.
استخدم الخوارزمي في كتابه كلمات مثل "الجذر" و"المال" للحديث
عن المتغير المجهول القيمة (الجذر) ومربعه (المال) ووضع لذلك طريقة فيها فطنة
وذكاء نعود إليها يوماً ما.
|
معادلة الدرجة الثانية |
ولكن
التعبير باستخدام كلمات من هذا النوع لم يكن باليسير ولا يسمح كثيراً بالتطوير.
بعد مائتي سنة تقريباً، حاول عمر الخيام حل معادلة الدرجة الثالثة، وفي سياق كلامه
أخذ في استعمال كلمة "شيء" للتعميم ولجعل حديثه لا يرتبط مباشرة بأمر
محدد بذاته، وهو ما نسميه بالتجريد.
انتقلت
هذه الكلمة (شيء) إلى الأندلس، وإلى اللغة الإسبانية لتلفظ šay
وكتبت xei، ومنها ذهبت إلى الإنكليزية thing
والفرنسية chose ولفظ هذه هو الأقرب إلى اللفظ العربي لكلمة "شيء". ومن الكلمة
الإسبانية أُخذ الحرف الأول x ليكون رمزاً للمتغير، أو الشيء العام
المجرد. بعد هذا الحرف في ترتيب الأبجدية اللاتينية تأتي الحروف y ومن ثم z.
بقي أن نؤكد على أن استخدام الأحرف للدلالة على الكميات، الثابتة والمتغيرة، سمح للرياضيات أن تتقدم باستخدامها للغتها الخاصة بها، وسهّل الكثير في تداول الأفكار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق