الأَحافيرُ هي البقايا المُستَحجِرة المحفوظة من مُتعَضِّيات كانت حية في عصور غابرة.
وكون تاريخها يعود إلى حوالى 3.5 مليون سنة، فهي توفر دلائل بالغة الأهمية عن
حُقُب غابرة في تاريخ الأرض.
لقد ظَلَّت حقائق أصول الحياة على الأرض مُعْضِلة محيرة
للعلماء والَّلاهوتيين على مدى زمن طويل. فمعظم الحضارات لديها روايات تَمُتُّ
بصلة إلى عملية نشوء الحياة على الأرض – يُصَوَّر فيها الإنسان ذروة لتلك العملية.
وقد قدَّر بعض الَّلاهوتيّين تواريخ لعملية الخَلْق تعود إلى بضعة آلاف من السنين
فقط. ففي عام 1650، مثلاً، قرر أسقف إرلندي أَنَّ عملية الخَلْق تمت في العام 4004
ق.م، زاعماً أَنَّ الأحافير المَحاريَّة والعَظميَّة التي تتواجد داخل بعض الصخور
هي بقايا كائنات هلِكَت في الطُّوفان التَّوراتي. لكن، يصعب التصور كيف إِنَّ
كوكباً كالأرض حقق مثل هذا القدر الكبير من التغير في مثل هذه الفترة القصيرة من
الزمن.
بناء سفينة نوح |
في العقد الأول من القرن التاسع عشر، أدرك الجيولوجيون
أن تغيرات بطيئة كالتي كانت، ولا تزال جارية، يمكنها تعليل أسباب شموخ الجبال
وهبوطها وتعليل تواجد الأحافير. في ذلك الوقت قدَّر العلماء عمر الأرض بأكثر من 20
مليون سنة. حالياً يمكن تقدير عمر الصخور بدقة بقياس كميات العناصر المشعة في
داخلها. مثلاً، هنالك نظير مشع من الكربون ينحل ويضمحل بمعدل دقيق ومنتظم يمكن به
تأريخ الفحم النباتي الذي يرجع عمره إلى قرابة 50000 سنة. وتوجد عناصر مشعة أخرى
يمكن بها تأريخ صخور أقدم بكثير – تبين من بعضها أَنَّ بَدْء تاريخ الأرض يعود إلى
ما فوق 4.5 بليون سنة.
تَكَوُّنُ الأحافير
عند موت كائن مُتَعَضٍّ تنطمر بقايا جسده وتستحجر ببطء.
ولا يبقى منه عادة سوى الأجزاء الصُّلبة كالعظام أو الأصداف. أحياناً، تتحول
البقايا تدريجياً إلى حجر معدني تُستبدَل بجُزَيئاته الأصلية معادن كالكَلْسَيْت
أو بَيْريت الحديد. وغالباً ما تحوي الأُحفورة قدراً كبيراً من الجُزَيئات
الأصلية. وهنالك اليوم عِلْم جديد، يُسمَّى عِلْم الحَفْريَّات الجُزَيئي يختص
بمقارنة الكيماويّات، أو حتى الجينات، من أنواع منقرضة بأنواع لا تزال تعيش على
الأرض.
رَوسَمةُ
الشَّواهِد
لقد كشفت الدراسات الدقيقة للأحافير أَنَّ أشكالاً
حياتية متشابهة منها تواجدت في الزمن نفسه في مختلف أنحاء العالم. ونتيجةً لذلك،
غدَت الأحافير أدوات مفيدة لتأريخ الصخور. إِنَّ أنماط الأحافير المختلفة
المتواجدة في الصخور تتغير مع الزمن، مُرَسِّمة التاريخ التطوري للكائنات الحية.
هذه التغيرات كانت أحياناً بطيئة وتدريجية, وأحياناً أخرى فُجائيَّة جداً، بحيث
تنعدم مجموعات كاملة من أنواع النبات والحيوان بين طبقة وأخرى. هذا وقد تظهر بضعة
أنواع ناجحة مستمرة دون تغيير يُذكَر على مدى ملايين السنين، في حين تفنَى أنواع
أخرى ويُستَبْدَل بها سواها. أحياناً، يحدث تنَوُّع فُجائيّ مغاير يُؤهِل العالَم
بأصناف جديدة بالكامل من الكائنات. هذه التغيرات تُبَيِّن الحدود بين عصور
جيولوجية مختلفة. ويعتقد العلماء أَنَّ الفترات بين هذه العصور كانت نتيجة لكوارث
رئيسية، رُبَّما يرجع بعضها لارتطام كويكبات أو مُذنَّبات ضخمة بكوكبنا أحدثت
خللاً في المناخ. والمعلوم بيولوجياً وجيولوجياً أَنَّه في نهاية العصر الطباشيري،
منذ 65 مليون سنة، انقرضت آلاف من الأنواع، بما فيها الديناصورات. وقد تزامن هذا
الحَد البَينيّ مع تكوّن وَهْدة صَدْميَّة هائلة في خليج المكسيك – أحدَثَها
ارتطام كويكب قُطْرُه حوالى الكيلومتر بالأرض – فتَبَخَّرَ ناشراً سحابة من الغبار
حولها حجبت طاقة الشمس وأشعلت حرائق في الغابات على نطاق عالمي. كذلك فإِنَّ
أنواعاً أكثر انقرضت في نهاية العصر البِرْميّ (أحدث حُقُب الحياة القديمة)، منذ
225 مليون سنة. والواقع أَنَّ الانقراضات الجماعية، بدرجات متفاوتة، هي التي
مَعْلَمت الحدود بين معظم العصور الجيولوجية.
عن الموسوعة العلمية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق