كان
التفكير السائد حتى عهد قريب بأن تاريخ الأرض هو تاريخ قريب يُعد بآلاف السنين، على
عكس ما يقوله العلم حالياً بأن عمر الأرض يزيد عن أربعة مليارات سنة وأن الحياة
الأولى في أشكالها البدائية تمتد لقرابة 3.7 مليار سنة وأن بداية الإنسان لا تعود
لأكثر من نحو ثلاثة ملايين سنة وأن البحث لا يزال جار يكشف بين الفينة والأخرى عن
جديد دون أن يخل بالخطوط العريضة لما نعرفه حتى اليوم.
ولكن
التفكير في عمر الحياة وحساب بداياتها شغل الكثيرين من أبناء ما قبل القرن التاسع
عشر، ومن أشهر من تصدى لهذه المسألة ووضع تأريخاً زمنياً للكثير من الحوادث
المذكورة في الكتب المقدسة هو الأسقف جيمس يوشر الإيرلندي الذي وصل إلى رتبة نائب
رئيس ترينتي كولج في دبلن. ولد يوشر عام 1581 وتوفي عام 1656 وامتهن الكهانة منذ مطلع
شبابه. كتب في اللاهوت، ولكن أشهر أعماله التي استمر تداولها لفترة طويلة (ولا
يزال هناك من يدافع عنها) هو التأريخ الزمني للأحداث الكبيرة في تاريخ البشرية
التي أتت الكتب المقدسة على ذكرها. قام يوشر بدراسته بناء على ما هو مؤرخ عن حوض
البحر المتوسط والشرق الأوسط وأحداثه ونصوص الكتاب المقدس. ووضع عمله كفصل ملحق في
طبعة الكتاب المقدس لعام 1701 والتي نظر إليها على أنه حقيقة لا تناقش مثل الكتاب
المقدس ذاته.
وفي
تأريخه يقول بأن الخلق كان يوم الأحد 23 تشرين الأول عام 4004 قبل الميلاد ويحدد ذلك بالساعة التاسعة (مع خلاف بين الصباح والمساء!)، وأن
آدم وحواء هبطا من الفردوس إلى الأرض يوم الإثنين العاشر من تشرين الثاني من العام
نفسه، أي أن بقائهما في الجنة لم يدم أكثر من 17 يوماً. كما أنه وفقاً لحساباته
فإن مركب نوح رسا على جبل أرارات في الخامس من أيار لعام 2348 قبل الميلاد. أما
طريقة الحساب فتستعمل معطيات ومسميات لا تعني الكثير لأي تلميذ مدرسة في أيامنا هذه،
ومن ثم فلا داع للخوض في تفاصيلها.
بقي
أن نقول إن يوشر لم يكن الوحيد ممن تصدوا لهذه المسألة، الجميع أعطى تواريخ قريبة
مع بعض الاختلافات لأسباب تتعلق بالسنوات الكبيسة وحساب السنين الدقيق والأشهر
وغير ذلك. من أشهر من خاضوا في هذه المسألة عالم الفلك الشهير كبلر (وهو القائل بإهليجيه
حركة الكواكب وليس دائريتها مكملاً بذلك النقص في نظرية كوبرنيك) الذي قدّر أن
الخلق كان في عام 3992 قبل الميلاد. وأشهر منه نيوتن، صاحب الجاذبية الأشهر، الذي
قدر أن الخلق كان عام 4000 قبل الميلاد تقريباً!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق