تشهد
المجتمعات بمجملها تغيرات كبيرة على إيقاع الأدوات والتكنولوجيات المتاحة
اليوم. وهذه التغيرات تشمل المجتمع نفسه وعلاقته بالمجتمعات الأخرى. مما يؤدي إلى
اختفاء أشياء وظهور أخرى ليست بالضرورة أفضل مما كان. أوضح الأمثلة هو وضع كبار
السن، الذين كانوا حتى عهد قريب عمدة البيت والأسرة في معظم مجتمعات العالم. أما اليوم فهم يعيشون معزولين
في بيوتهم وقد تفرّق عنهم الأبناء والأحفاد، إلا في الزيارات طبعاً التي يحكم
إيقاعها البعد والانشغال وهموم الحياة وأشياء أخرى كثيرة. ويقر اليوم العديد من
الأطباء والأطباء النفسيين بأن ذلك وراء الكثير من الاضطرابات التي يعيشها كبار
السن.
وفي
المجتمعات الحالية أخذت ظاهرة المهاجرين أو الغرباء أو التعامل مع الأجانب بالتزايد
مما أدى ببعض منها إلى الانطواء على نفسها والنظر إلى هؤلاء وكأنهم كائنات من كوكب
آخر. كما أن الحياة الراهنة تجعل الناس أكثر ميلاً إلى العزلة مع كل ما يترتب على
ذلك من نسيان الآخر فعلياً، وتفاعل الناس فيما بينهم وكأنهم غرباء عن بعضهم. وهذه
الظاهرة تتكرر كثيراً في الدول المتقدمة وتتبعها في ذلك الدول الأقل تقدماً.
وفي
دراسة قامت بها جامعة ميتشغان الأمريكية على عينة من 14 ألف طالب في المرحلة الإعدادية
في الفترة ما بين عام 2000 وعام نشر الدراسة 2010، تبيّن فيها أن هؤلاء الطلاب
كانوا أقل تعاطفاً مع الغير من طلاب من الشريحة العمرية نفسها بين عامي 1980 و 1990،
وأكدت الدراسة على أن ظاهرة أخرى في سلوك هؤلاء الطلاب تمثلت بنرجسية واضحة، مما
يؤدي إلى حالات اكتئاب بيّنة لدى نسبة كبيرة من الطلاب تتجاوز الثلث.
لمواجهة
هذه الأنواع من المسائل قامت المدارس الدانماركية بتخصيص حصة أسبوعية إلزامية لمادة اسمها "التعاطف
مع الآخرين"، من سن السادسة حتى سن السادسة عشر. وهي الدولة الوحيدة في العالم
التي فعلت ذلك منذ عام 1993. وهذه المادة هي مادة عملية، لا كتاب لها ولا امتحان،
يطلب فيها من الطلاب التمرن على التواصل مع الآخرين والاستماع إليهم. وهذا يتم
بوضعهم أمام قضية عليهم أن يفكروا معاً في حل لها. أو صنعهم لقالب حلوى وتناوله
معاً، أو تركيب خيمة وتجهيزها بما يلزم للإقامة فيها لفترة قصيرة، أو أية أعمال جماعية تتطلب منهم الاقتراب من بعضهم والتعاون.
بقي
أن نقول إن التعاطف مع الغير يعني القدرة على الإحساس بانفعالات ومشاعر الآخرين،
وهي قدرة يجب تنميتها لدى الطلاب تعادل تعليمهم أية مادة دراسية أخرى مثل اللغات
أو الرياضيات.... لنتذكر أن الدانمارك مصنفة على أنها الدولة الأسعد في العالم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق