عرفت
المجتمعات الزواج منذ زمن قديم، وقامت الأسرة على هذا الزواج الذي تكون ثمرته
الأولاد الذين يرعاهم الأم والأب. وهذه الصيغة ينفرد بها
الإنسان من بين الكائنات الحيّة، التي يعرف بعضها نوعاً من الزواج طوال فترة
التكاثر ليفترقا من بعدها في الغالب كل في حال سبيله. ولكن الزواج هو ليس النموذج الوحيد في
المجتمعات البشرية، حتى المعاصرة منها.
ففي بعض
مناطق الصين مثلاً تعيش مجموعات بشرية يطلق عليها اسم مجتمع "النا" NA (وتسمى أحيانا بالموزو Moso). وفي هذا المجتمع لا زواج
بالمعنى المعروف لدى الغالبية الساحقة من المجتمعات، بمعنى عيش رجل وامرأة تحت سقف
واحد على أساس مشروع حياة مشتركة تتشكل عبره أسرتهما. ففي مجتمع النا يحدث تلاق
بين رجل وامرأة، ربما يحبان بعضهما أو يرضيان ببعضهما. وعلى إثر الالتقاء يحدث حمل
وولادة. الطفل المولود سيكون تابعاً للأم يحمل اسم عائلتها ويقوم على تربيته
أخواله، الذين يحنون عليه كما لو كان ولدهم. والحال هو نفسه بالنسبة للأخوال، إذ لا يعيش أولادهم معهم
وإنما مع أخوالهم!
يسمى هذا
المجتمع بالمجتمع الأخوي لأنه يتكون من أخوة وأخوات من أجيال مختلفة يشكلون أسرة. يرثون
بعضهم بشكل طبيعي (ومن ثمّ لا مشاكل وراثة!)، ويعملون معاً متكاتفين بسلام. طبعاً لا علاقة تناسل بينهم على
الإطلاق لأنه أمر محرّم، وإنما مع شخص من أخوية أخرى. والعشاق أو المعجبين ببعضهم
لا ينتمون إلى الأخوية نفسها، ويعيش كل منهما في عائلة (أخوية) مستقلة. وغالباً ما
تكون العلاقة بين رجل وامرأة علاقة سرية لا يعلم بها الآخرون، وليس للرجل أن يعرف
أولاده، ولا للأولاد أن يعرفوأ أباهم، فهذا مجتمع بلا آباء!
في هذا
المجتمع يقسّم العمل بين الرجال والنساء. فأعمال المنزل وجمع الحطب والنسج هو من
اختصاص النساء، أما الرجال فعليهم الأعمال التي تتطلب جهداً فيزيائياً مثل بناء
البيوت والصيد. أما أعمال الأرض فيتعاون الطرفان عليها. ولكل أخويّة زعيمان، امرأة
ورجل. المرأة الزعيمة هي التي تدير الأخوية داخلياً بما في ذلك الشأن الاقتصادي،
أما الزعيم الرجل فيهتم بالشؤون الخارجية من علاقات مع الأخويات الأخرى في الوسط
الذي يعيشون فيه.
بقي أن نقول
إنه من المهم أن يكون المولود طفلة لأنه يضمن استمرارية الأخوية، فإذا كان
المواليد كلهم من الذكور فهذا يعني اندثار الأخوية، ولكن ميلاد الذكور هام أيضاً
لأنه يضمن تربية أبناء أخواته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق