سعى الإنسان منذ الأزل إلى الحياة طويلاً، وإلى
الأبدية والشباب الدائم، وهذا حلم الأحلام، وحلم الإنسان العبثي الدائم. فهل يمكن تجنب
الشيخوخة؟ أي عدم الوصول إليها، أو تأخيرها.
يقول أصحاب المدرسة الثانية بأن الشيخوخة هي في معظم جوانبها ظاهرة اجتماعية، كما هو الأمر بالنسبة للتقسيمات العمرية من طفولة وشباب وكهولة وشيخوخة، ولها أن تختفي بتجاهلها، بمعنى أن كبار السن لن يروا أنفسهم على أنهم كذلك لو كانوا في وسط يضم جميع الأعمار ودون أن يعاملوا على أنهم فئة منفصلة بحد ذاتها. وهناك دراسات تؤكد بأن ذاكرة كبار السن ليست أسوأ من غيرها فيزيائياً، وإنما ترديها يعود في جزء كبير منه إلى الأفكار المسبقة، ونعت كبار السن الدائم بأن ذاكرتهم أضعف من غيرهم.
هناك توجهان في العالم بخصوص هذه المسألة. الأول يقول
بأن الشيخوخة تعود فقط إلى عوامل وراثية، ومن ثم فأتباع هذا التوجه يعولون على تأخير
الشيخوخة بالتأثير على المورثات. وهناك مدرسة ثانية لا تنظر إلى ذلك من وجهة نظر المورثات،
وإنما على التعاطي مع الأمر على أنه أمر طبيعي في الحياة، وتعمل على التأثير على
العوامل التي تؤدي إلى الشيخوخة والتكيف والتعايش معها باعتبار أنه من الممكن أن
نعيشها بشكل جيد.
ومن أتباع المدرسة الأولى من يظن أن التقدم العلمي
سيقود يوماً إلى الحياة لفترة أطول مما يحصل اليوم. وهناك حركة ثقافية (تطلق
على نفسها اسم: بعد إنسانية transhumanism) تقول
بأن الإنسان سيكون قادراً على العيش طويلاً بفضل التقدم في التقانة النانوية وعلم
الوراثة والذكاء الصنعي وغيره، وهذه كلها ستحدث في غضون الخمسين سنة القادمة، بإصلاح
"الأعطال" في جسم الإنسان عبر تغيير الخلايا التالفة أو المريضة ومن ثم
المحافظة على "شباب" أعضاء الجسد ... وهناك من يقول الآن إن "الشخص
الذي سيعيش ألف عام عمره الآن خمسين عاماً"!
ولكن أتباع المدرسة الثانية يقولون بأن هذا لا
يبدو معقولاً، فالجسم الإنساني لا يشبه الآلات الميكانيكية. أي أن الجسد الإنساني
لا يشبه الآلة التي تحتاج إلى إصلاح مع مرور الزمن، فضلاً عن أنه يقوم بالإصلاح
الذاتي المستمر. ففي كل ثانية تموت مئات وآلاف الخلايا وتستبدل في الحال دون أن
يمنع هذا توقف التقدم في العمر. وهم يستدلون على رأيهم بأن العمر الأعظمي لم يتغير
في المائة سنة الماضية بالرغم من التقدم الطبي الهائل. فأكبر عمر مسجل ومتحقق منه
هو 122 سنة، وكل شيء يقول بأن العمر الأقصى للإنسان هو 120 سنة تقريباً، بالرغم من
أنه كان من المتوقع أن يصل عمر بعض الناس إلى 130 في العام 2020، وها نحن على أعتاب
هذا العام ولا شيء من هذا!
أي أن الشيخوخة أمر واقع، لكن من الممكن أن تعاش على نحو
طبيعي، وأن هذه مرحلة من الحياة ليس إلا، يمكن أن تكون من أجمل المراحل. فمن الصحيح
أن الجسم الإنساني يواجه متاعب ومشاكل كثيرة مع التقدم في العمر. فمثلاً، يصاب القلب
بتصلب الشرايين الذي يعيق تدفق الدم في الجسم كما يمكن أن نتوقع، ولكن هناك
بروتينات تظهر على جدار القلب مع التقدم في السن تواجه هذه المشكلة بحيث يحافظ دفق
الدم على إيقاعه العادي. وقد أظهرت التجارب أن الوظيفة القلبية تبقى وسيطاً على
حالها، في حالة الراحة، مهما اختلفت الأعمار. ولكن الجهد الأعظمي للقلب يتراجع مع
العمر، أي أن الإنسان لن يكون قادراً على القيام بالمجهود نفسه في كل مراحل العمر.
ولكن هذا التراجع يمكن أن يحدث ضمن عملية تكيّف. فمن يعتني بحديقته أو بستانه يمكن
أن يفعل ذلك مهما كان عمره، ولكن الفترة التي يستغرقها هذا العمل تتزايد مع التقدم
في العمر.
يقول أصحاب المدرسة الثانية بأن الشيخوخة هي في معظم جوانبها ظاهرة اجتماعية، كما هو الأمر بالنسبة للتقسيمات العمرية من طفولة وشباب وكهولة وشيخوخة، ولها أن تختفي بتجاهلها، بمعنى أن كبار السن لن يروا أنفسهم على أنهم كذلك لو كانوا في وسط يضم جميع الأعمار ودون أن يعاملوا على أنهم فئة منفصلة بحد ذاتها. وهناك دراسات تؤكد بأن ذاكرة كبار السن ليست أسوأ من غيرها فيزيائياً، وإنما ترديها يعود في جزء كبير منه إلى الأفكار المسبقة، ونعت كبار السن الدائم بأن ذاكرتهم أضعف من غيرهم.
بقي أن نقول إن الجواب على سؤال: من أي عمر تبدأ
الشيخوخة؟ فهو: من لحظة الميلاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق