بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 19 ديسمبر 2016

صندوق بندورا ... صندوق الآلام



يروي الشاعر الإغريقي هيزويد في قصيدته التي كتبها في القرن الثامن قبل الميلاد  بعنوان "الأعمال والأيام" مشاكله مع أخيه، وكلاهما من عمال فلاحة الأرض. وفي معرض القصيدة يروي الكثير من الأساطير الإغريقية ويعيد تركيب أسطورة بندورا بأوضح وأكمل ما كتب عن هذه الأسطورة، وكذلك يروي أسطورة بروميثيوس الذي قدم المعرفة للإنسان.

وبحسب هيزويد إذن، فإن ميلاد بندورا كان بطلب من كبير الآلهة زيوس الذي كان يريد الانتقام من الرجال لسرقتهم النار بمساعدة بروميثيوس. وطلب زيوس من إله المعدن والنار والبركان هيفاستوس أن يصنع بندورا من الطين والماء وأن يكون لها قوة صوت البشر وأن تكون عذراء لها من الجمال ما ينافس جمال الآلهة، وهذا ما فعله هيفاستوس. وأعطتها الإلهة أتينا الحياة وعملتها المهارة اليدوية والنسج، وأعطتها الإلهة أفروديت الرقة وأبولون علمها الموسيقا، أما هيرميس فعلمها الكذب وفن الإقناع والفضول، وعلمتها الإلهة هيرا الغيرة. وكانت بندورا هي الامرأة الأولى بين البشر بحسب الأسطورة الإغريقية!

يقرر زيوس تزوجيها من إيبيميثوس شقيق بروميثيوس، الذي كان قد حذّر أخاه من ألا يقبل أي هدية من زيوس. ولكن بندورا كانت جميلة جداً، فما كان من الأول إلا أن قبل الزواج بها. تحمل بندورا في متاعها صندوقاً غريباً، هدية زواجها قدمها لها زيوس ومنعها من فتحه. كان هذا الصندوق يتضمن كل آلام البشرية وخاصة الشيخوخة والمرض والحرب والمجاعة والفقر والجنون والرذيلة والخداع والشغف والغرور وكذلك الأمل. ولكن باندورا بعد زواجها، يجتاحها الفضول الذي علمها إياه هيرميس، فتفتح الصندوق لتخرج منه كل الآثام الموجودة فيه، وعندما رأت ذلك أسرعت لإغلاقه ولكن كانت كل الآثام قد خرجت ولم يبق حبيسه سوى الأمل. انتشرت هذه الآثام بسرعة ووصلت إلى كل مكان في الأرض. وهكذا أخذت البشرية في معاناة الآلام التي لم تكن تعرفها من قبل، وعرفت شقاء العمل والمرض والشيخوخة التي هي نتيجة حتمية للتعب. ومن يومها أحاط العذاب بالناس، وأسباب هذا العذاب تصل إلى الناس بصمت، ذلك أن زيوس حرمها من الصوت. فالمرض يأتي بلا ضجيج والشيخوخة كذلك، وهكذا فليس لأحد أن ينجو من إرادة زيوس.


بعض القراءات الأخرى لقصيدة هيزويد الأخرى تقول بأن صندوق بندورا لم يكن صندوقاً وإنما جرة كبيرة لها غطاء يمكن إزاحته، وهذا ما فعلته بندورا، وأنه ليس الأمل الذي بقي في الجرة، فهذه الكلمة لم تكن متداولة في أيام هيزويد وإنما كان ما بقي في الجرة كل ما هو غير متوقع وكل ما هو محتمل، أي لغزٌ آخر لا نعرفه لأنه لم يخرج من الجرة الصندوق، وإنما هو شيء نتمناه من المحتمل أنه يحمل الخلاص.

بقي أن نقول بأن مثال صندوق بندورا يستعمل كثيراً في الأيام المعاصرة، وذلك في الحالات التي يؤدي فيها حدثٌ بسيط إلى أحداث كبيرة، أو سوء تقدير العواقب. وهذه الكناية تستخدم حتى في أمور العلاقات اليومية عندما يؤدي الكشف عن أمر بسيط إلى سلسلة من الفضائح الكبيرة، وهو يقابل ما يقال في العربية عن الاقتراب من عش الدبابير... وشيء آخر نقوله هو بأن الأسطورة الإغريقية عزت آثام العالم إلى المرأة، وألصقت الشرور بها، وهذا ليس بالمستغرب، فقد كان تعامل الإغريق مع المرأة تعاملاً متعالياً!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق