جاء في إحدى المجلات: «مدينة مومباسا
ثاني أكبر مدينة في كينيا.» وفي هذا التركيب نظر (ثاني أكبر!). وهو من جنايات
الترجمة الحرفية: second largest !
· إن
صيغة التفضيل (أَفْعَل) ]أكبر، مثلاً[
حين تُضاف إلى نكِرةٍ مُفْردة، تعني أن المفضَّل الموصوف بها يحتل المرتبة
الأولى من حيث الكِبَر؛ وهذا يقتضي ألاّ يشاركه في هذه المرتبة شيء آخر، فهو وحيد
متفرّد بهذه الصفة: أكبر. بعبارة أخرى، ليس هناك أول أكبر وثاني أكبر،
وثالث أكبر... خلافاً لما يقال في الإنكليزية.
لذا فالوجه أن يقال: مدينة مومباسا هي الثانية بعد أكبر مدينةٍ في كينيا.
أو: مدينة مومباسا هي الثانية كِبَراً في كينيا.
· وحين
تضاف صيغة (أفعل) إلى مثنىّ نكرة أو جمعٍ
نكرة، يكون المفضَّل مثنىًّ أو جمعاً، نحو: هذان
أفضلُ رجُلين؛ المجاهدون أفضلُ رجال.
· أما
إذا أُضيفت صيغة (أفعل) إلى معرفة، ففي هذه الحالة يمكن أن يكون المفضَّل مفرداً
أو مثنى أو جمعاً! ذلك أنه يقال: هو / هي / هما / هم / هُنَّ أفضل القوم.
وعلى هذا فإن عبارة (أكرمُ الرجال)
مثلاً، يمكن أن تَعنيَ مفضَّلاً مفرداً، أو جمعاً، بحسَب ما يقتضيه السياق.
فإذا قلنا:
حاتمٌ أكرم الرجال،
كان المفضلَّ مفرداً.
وإذا قلنا: عليٌّ من أكرم الرجال، كان المفضل جمعاً، وعليٌّ
واحدٌ منهم. وفي هذه الحالة يمكن وضع ترتيب للأشخاص (أو الأشياء)
المفضَّلة. فيمكن أن نقول: حاتمٌ أكرم الرجال، وعليٌ
ثاني أكرم الرجال، وسعيدٌ ثالث أكرم الرجال... الخ.
جاء في (البحر المحيط) لأبي حيّان
النحْوي (654/745
هـ) في تفسير قوله تعالى: )ووَصَّيْنا الإنسان بوالديه حُسْناً...( (العنكبوت
8): «إذ كان بِرُّ الوالدين ثاني أفضل
الأعمال، إذ في الحديث الصحيح، أيُّ الأعمال أفضل؟ فقال: الصلاة على ميقاتها،(2) قال: ثم أيّ؟
قال: ثم بِرُّ الوالدين، وإن كان عُقوقهما ثاني أكبر الكبائر، إذ قال عليه
الصلاة والسلام: ألا أُنَبِّئكم بأكبر الكبائر؟(3)
الإشراك بالله وعقوق الوالدين.»
142- المثابة، بمثابة
كنت أوردتُ في الفقرة 65 استعمالات عصريةً لكلمة (المثابة) بمعنى
(مَكانة، مَنْزِلة) واعترضتُ عليها استناداً إلى معنى هذه الكلمة الذي أورده
(المعجم الوسيط).
وقد تبيّن لي أني لست أول المعترضين، إذ
سبقني:
1- عبّاس
أبو السعود في كتابه (أزاهير الفصحى).
2- محمد العدناني في (معجم الأخطاء الشائعة).
3-
صلاح الدين الزعبلاوي في كلمة نشرتها
جريدة (الثورة)
الدمشقية بتاريخ 2/10/1983.
وسبب الانتقاد لدى الجميع، هو أن
المعاني المعجمية لا تُسَوِّغ الاستعمال المعتَرَض عليه.
والحقيقة التي لا شكّ فيها- كما جاء في
مقدمة الجزء الأول من (المعجم الكبير) الذي يُصْدره مَجْمع اللغة العربية
بالقاهرة- هي أن (العربية ليست مقصورةً على ما جاء في المعجمات وحدها، بل لها
مَظَانُّ أخرى يجب تَتَبُّعُها والأخذ عنها، وفي مقدمتها كتب الأدب والعلم.)
وبالفعل وقفتُ في أثناء مطالعاتي لبعض
ما قاله أو كتبه عددٌ من البلغاء والفصحاء، على استعمال كلمة (المثابة) بِمَعَانٍ،
منها ما لم يَرِد في المعاجم، وهذا ما يُوجِب إدخال المعاني غير المعجمية في
المعاجم الحديثة.
· جاء
في (المعجم الكبير):
«المثابة: مجتمع الناس، الملجأ، المَرجِع، المنْزل،
موضع حِبالة الصائد، الجزاء.»
(للطاعة، أي المَثُوبة = الثواب).
وجاء فيه: «مثابة
البئر: مبلغ جُمُوم مائها»، أي: منتهى تَجَمُّع مائها.
وفي التنْزيل العزيز: )وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأَمْناً(
أي: مَرجعاً يثوبون إليه من كل جانب، كما
جاء في (تفسير الجلالين).
· وجاء
في (لسان العرب /جمم):
«وفي حديث عائشة: بلغها أن الأحنف قال شِعراً يلومها فيه
فقالت: سبحان الله، لقد استفرغَ حِلْمَ الأحنف هجاؤُه إيّاي، أَلِيَ كان
يَسْتجِمُّ مثابةَ سَفَهِه؟ أرادت أنه كان حليماً عن الناس، فلما صار إليها
سَفِهَ، فكأنه كان يُجِمُّ سَفَهَه لها، أي يُريحُه ويجمعه.»
أقول: أَجَمَّ الماءَ ونحوه يُجِمُّهُ:
تركه يتجمّع. فالمعنى: أَلِيَ كان يترك سَفَهَهُ يتجمّع حتى صار مُجْتَمَعُهُ
(مثابتُه) هذا الهجاء؟
ومن المعلوم أن الأحنف بن قيس اشتهر
بالحلم، وأن كلام أم المؤمنين قيل في القرن الهجري الأول!
· وجاء
في رسالة (ألفاظ الشمول والعموم) للمرزوقي (توفي 421
هـ)، وهي منشورة في كتاب: (رسائل ونصوص في
اللغة والأدب والتاريخ) بتحقيق د. إبراهيم السامرائي، مكتبة المنارة، الزرقاء،
الأردن، في الصفحة 130:
«... بدلالة أن قوله تعالى: )السارق
والسارقة فاقطعوا أَيديهما( بمثابة قوله لو قال: من سرق فاقطعوا يَدَه.»
وجاء في كتاب (دلائل
الإعجاز) للإمام عبد القاهر الجرجاني (471 هـ) في مبحث (مواضع
التقديم والتأخير):
-
في الصفحة 121:
«فإذا قلتَ: (أَزَيْداً تَضرب؟) كنت قد أنكرت أن يكون
(زيد) بمثابة أن يُضرب، أو بموضع أن يُجْترأ عليه ويُسْتجازَ ذلك
فيه.»
-
وفي الصفحة نفسها: «...جَعَله
كأنه قد ظن أن طنين الذباب بمثابة ما يَضِيْر.»
-
وفي الصفحة 125:
«...فلو قلتَ... كان في التناقض بِمنْزلة أن تقول...»
-
وفي الصفحة 118:
«... ألا ترى أنّ من المُحال أن تزعم أنّ المعنى في قول
الرجل لصاحبه: (أتخرجُ في هذا الوقت؟)... أنه أنكر أن يكون بمثابة من يفعل
ذلك، وبموضع مَن يجيء منه ذاك...»
نلاحظ أن إمام البلاغة
يستعمل (بمثابة) بمعنى: بموضع، بمنْزلة،
بمكانة، بمرتبة.
· وجاء
في كُتيِّب (تاج العروس، الحاوي لتهذيب النفوس) لابن
عطاء السكندري (709
هـ)، في الصفحة 53: «فالقلب بمثابة العين...»
وفي الصفحة 54:
«فالقلب بمثابة السقف، فإذا أُوقِد في البيت نار
صعِد الدخان إلى السقف فَسَوَّده، فكذلك دخان الشهوة إذا نبت في البدن صعِد دخانه
إلى القلب فَسَوَّده.»
· وجاء
في (البحر المحيط) لأبي حيّان النحْوي (745 هـ)، في الصفحة 112:
«... والحجة له وعليه
مذكورة في علم النحو؛ وما كان بهذه المثابة- ممنوعاً عند بعضهم، عزيزاً
حذفُه عند الجمهور- ينبغي ألاّ يُحمل عليه كلام الله تعالى.»
· وجاء
في كتاب (بدائع الفوائد) لابن قَيِّم الجوزيّة (751
هـ)، في الصفحة 673:
«...وما هذا ]الإنسان[ إلا بمثابة مَن
بيْن زَرْعِه وبين الماء ثلمة يدخل منها الماء...»
يستبين بالشواهد المذكورة أن كلمة
(مثابة، بمثابة) استُعملت في اللغة الفصحى بمعنى: المرجع، المنزلة، المكانة،
المرتبة، كاف التشبيه...
إن ما سبق لا يعني أن جميع ما اعترضتُ
عليه في الفقرة 65 مقبول؛ ويتحقق
القارئُ صحةَ هذه النتيجة إذا أعاد النظر في تلك الفقرة.
143- لا تَقُلْ: (... تحت طائلة الحجز / القانون...)
مما جاء في معاجم اللغة (لسان العرب
وغيره) قولُهم:
الطَّوْل والطائل والطائلة: الفضل
والقدرة، والغِنى، والسَّعَةُ، والعُلُوّ.
أصل الطائل: النفع والفائدة. يقال:
- (هذا أمرٌ
لا طائل فيه) إذا لم يكن فيه غَناء ومَزِيَّة؛ لا فائدة تُرجى منه.
- (لم يظفر
منه بطائل) أي بفائدة.
- (ما هو
بطائل) يقال للشيء الخسيس الدُّوْن.
- (أموال
طائلة) أي كثيرة غزيرة.
ولكن يقال أيضاً: بينهم طائلة، أي عداوةٌ وتِرَةٌ (الترة: الثأر).
كما نرى، لا صلة بين معنى الطائلة في
اللغة، وبين المراد من هذه الكلمة في الاستعمال الخاطئ الشائع. ومصدر الخطأ- على
الأرجح- الترجمة الحرفية!
فمثلاً، مقابل العبارة الشائعة: (ممنوعٌ وقوف السيارات تحت طائلة الحجز) يقال في الإنكليزية: NO
PARKING. وغالباً ما تكون هذه الكلمة كافية في التحذير. فإذا أُريدَ بيان
ما يترتب على المخالفة، يقال في الإنكليزية:
Under penalty of...
(لاحِظْ كلمة under: تحت!).
ويقال في الفرنسية:
Sous peine
de ... (لاحِظْ كلمة sous:
تحت!).
فالوجْهُ أن يقال: ممنوعٌ وقوفُ السيارات! (من الضروري رسم إشارة التنبيه:
!).
وإذا كان هذا التحذير غير رادع لبعض
الناس، فيمكن أن يقال:
- ممنوعٌ وقوف السيارات، ويَتَعرَّض المخالف للعقوبة!
أو: - لا
تَقِفْ سيارتَك هنا، و إلاّ تَعَرَّضتْ للحجز!
أو: - وقوف
السيارة هنا يُعرِّضها للحجز!
وفي مقامٍ آخر يمكن أن يقال:
- لا تفعلْ كذا و إلاّ
عاقَبَكَ القانون!...
- لا تفعل كذا، و إلاّ فالقانون
يَطُوْلُك!
]لا: يَطالُك![.
144- هذه خامس معركة (لا: خامسة معركة!)
أو: هذا آخِرُ خَمْسِ معارك
تعقيب على قولين: للرافعي والعدناني
1- عالجتِ
الفقرة 106
الأعداد الترتيبية(51)،
وهي أسماءٌ يوصف بها؛ وتصاغ من الأعداد المفردة (من اثنين إلى عشرة) على وزن (فاعِل)
للمذكر، و(فاعِلة) للمؤنث. أما العدد (واحد) فيقابله الوصف (أَوَّل) للمذكّر،
و(أُوْلى) للمؤنث. والعدد الترتيبي يصف ما قَبْله ليدلّ على ترتيبه، وهو يطابق
موصوفه من حيث التذكير والتأنيث والتعريف والتنكير، فيقال مثلاً: فصلٌ رابعٌ، قناةٌ ثانية؛ الباب السابع، الطبعة الخامسة.
2- جاء
في (معجم الأخطاء الشائعة /86)
لمحمد العدناني:
«ويقولون: هذه خامس معركة انتصر فيها
جيشنا. والصواب: هذه خامسة معركة؛ لأن العدد الترتيبي يطابق المعدود في
التذكير والتأنيث، سواءٌ أكان صفة، أم مضافاً إلى المعدود.»
اعتراض العدناني هو
إذن على تذكير كلمة (خامس) المضافة إلى المعدود المفرد المؤنث النكرة: معركة. لكنه
لم يُورد شاهداً على كلامه، ولم يذكر مرجعاً يؤيده. وسنبيّن أن كلامه جانَبَ
الصواب.
صحيح أنه يقال،
مثلاً: (استمعتم إلى ثانية النشرات الإخبارية)، لكن (ثانية) هنا مضافة إلى معدودٍ
مؤنثٍ جَمْعٍ ومعرفة!
ومِثْله قول العرب:
(رماه بثالثة الأثافي)
(جمع الأُثْفِيَّة): أي رماه بداهيةٍ كالجبل!
3- وكان
مصطفى صادق الرافعي (توفي سنة 1937) قال قبل العدناني
بزمن طويل (وحي القلم 1/114):
«قلت: يا أبا محمد، هذا آخِرُ أربع مرات تَغْضب عليك غضب الطلاق.»
وقال
في حاشية الصفحة المذكورة: «هذا هو التعبير الصحيح لمثل قول الناس (هذه
رابع مرة). ولم يذكر الرافعي أيضاً مرجعاً يؤيد كلامه. وربما تأثر في قوله هذا بما
جاء في (لسان العرب) و(القاموس
المحيط) و(تاج العروس): «يقال: أتيتُك آخِرَ مرتين
وآخِرةَ مرتين: المرة الثانية من المرتين.»
وربما اطّلع كذلك على
كلام الصحابي الشهير أبي هريرة، الذي قال لمن أتاه ثلاث مرات في ثلاث لَيالٍ، وهو
يَعِدُ في كل مرة أنه لن يعود ثم يعود... قال له:
«هذا آخِر ثلاث مرات
إنك تزعم لا تَعُود ثم تعود...» ]انظر الحديث 2311
في صحيح البخاري بشرح القسطلاني.[
فما الرأي في حاشية
الرافعي وكلام العدناني؟
4- لم
أجد فيما لديّ من كتب النحو شرحاً مفصَّلاً لأحكام (إضافة
الصفة إلى موصوفها.»
وقد تَطَوَّل عليَّ
الأستاذ الفاضل محمد علي حمد الله فساعَفَني بِطَلِبَتي بأنْ زوّدني بالحُكم
العام.
وقبل أن أُورِد ما
ذكره لي أقول: جاء في الكلام الفصيح إضافة الوصف المذكر إلى الموصوف المؤنث.
ففي التنْزيل العزيز: )قل يُحْيِيْها الذي أنشأها أوَّل مرة(.
وقال عنترة:
جادتْ له
كفّي بعاجِلِ طعنةٍ ورَشَاشِ نافذةٍ كَلَوْن
العَنْدم
(العَنْدم: نبات
أحمر).
قال الأستاذ الكريم:
(الطعنة) اسم مؤنث، فلماذا لم يقل (عاجلة) بتاء تأنيث؟
الجواب: الأصل أن
يأتي النعتُ(93)
(الوصف / الصفة) بعد مَنْعُوته
(موصوفه)، هكذا: بطعنةٍ عاجلةٍ. ولكن لمّا جِيء بالوصف قبل موصوفه سقطتِ
النَّعْتِيَّة النحْوية، وسقط معها واجب التَّبَعِيَّة للموصوف جِنساً
وعدداً ومحلاًّ؛ وبسقوطها اللفظي سقطت المطابقة الجنسية، فعاد اللفظ إلى التذكير،
لأنه الأصل في الأسماء، والتأنيث عارض.
ومثل هذا يقع لاسم
التفضيل، وهو وصفٌ مشتق أيضاً، عندما يضاف إلى نكرة، نحو: جادتْ له كفّي بأعجلِ طعنةٍ.
ومن الأدلة على أن
التذكير أصلٌ والتأنيث فرعٌ، قولنا: (سَرَّني
ما عندك من حِكْمة). ولا نقول: سَرَّتْني، مع أن الحكمة هي المقصودة هنا،
ثم جِيءَ بـ (مِن) التَّبْيِيْنِيَّة لتبيِّن (أو لتُميِّز) اسمَ الموصول
المْبهَم، وهو هنا (ما) الصالحة لمذكر ومؤنث.
هذا كُلُّه إذا كان المضاف
إليه مفرداً نكرة؛ فإن جاء مفرداً معرفة صَحَّ أيضاً، نحو: واثق الخطوة، قوِيُّ العزيمة، هَدَّارُ النَّبْرة. أ هـ.
5- أقول:
الكلام السابق هو على إضافة الوصف بوجهٍ عام. فإذا كان الوصف المضاف عدداً
ترتيبياً (ثانٍ، ثالث، رابع...) فإنه يضاف مذكَّراً إلى مفرد نكرة
(نحو: هذا خامس زلزال، وهذه خامس معركة، ولا يقال: هذه خامسة معركة)؛ ولا
يضاف إلى مفرد معرفة، أي لا يقال: هذا خامس الإعصار، وهذه خامس المعركة.
وإذا أضيف إلى جمعٍ
معرفة وَجَبتِ المطابقة الجنسية (أي
من حيث التذكير والتأنيث) وخرج عن كونه صفةً للمضاف إليه مُقَدَّمةً عليه. يقال: هذا ثاني الفائزين. وهذه خامسة المعارك.
6- أما
العدد الترتيبي (أَوَّل) فتنطبق عليه أحكام اسم التفضيل لأن وزنه (أَفْعَل). فإذا
أضيف إلى نكرة (مذكر /
مؤنث / مفرد /
مثنى / جمع) وجب إفراده وتذكيره في كل
الأحوال. يقال:
هذا أول
قرار؛ هذه أول مرة (ولا يقال: أُوْلى مرة! بل المرة الأولى).
هما / هم أول طالبَيْن / طلاّب من اليمن.
هما / هُنَّ أول طالبتين / طالبات من اليمن.
وإذا أضيف إلى معرفة
خرج عن كونه صفةً للمضاف إليه مُقدَّمةً عليه. ونُميِّز هنا حالتين:
أ-
المعرفة مفردة، نحو: أول الشهر / الفصل؛ أول السنة / الدراسة. فكلمة (أول) هنا لا يفيد الترتيب لأن
المعنى هو: بداية الشهر /
الفصل / السنة / الدراسة...
ب – المعرفة جمع،
نحو: هو أول التلاميذ؛ هي أول / أُوْلى الطالبات؛
ونحو: هم أول / أوائل الطلاب؛ هُنَّ أول / أُوْلَيَات
الطالبات.
أي يجوز هنا إفراد
المضاف وتذكيره، ويجوز مطابقته لِما قَبْله.
ملاحظة:
(الآخِر) نقيض المتقدّم. وتستعمل كلمة (آخِر) للإشارة إلى ما يكون ترتيبه في
النهاية، فتضاف إلى المذكر والمؤنث والمفرد والجمع. يقال:
هذا آخِر
امتحان. هذا آخِر المدعُوِّين، تلك آخِر مرة رأيته فيها. هذه العبارة هي آخِر
كلمات خطبته...
7- وإليك
أقوالاً مقتبسة من كلام بعض أئمة القرون الهجرية السابع والتاسع والثاني عشر
والثالث عشر.
· جاء
في (صُبح الأعشى في صناعة الإنشا 3/32)
للقلقشندي (821
هـ): «قال ابن عبد السلام (660 هـ): ومِساحة رأس السِّيْن من أول سِنٍّ منها إلى ثالث سِنٍّ
كثلثي أَلِفٍ.»
(من المعلوم أن السِّنَّ مؤنثة).
· وجاء
فيه (3/493):
«ثم وَلِيَها عنه أبو منصور ثالث مرة في السنة
المذكورة.»
· وجاء
في مقدمة (فتح الباري 1/107)
لإمام ابن حجر العسقلاني (852 هـ): «قوله (حقة) هي التي دخلتْ في رابع سنة من الإبل. قيل سُمِّيت بذلك
لأنها...»
· وجاء
في (فتح الباري 3/27):
«فقد صرّح البخاري في خامس ترجمة من أبواب
التهجّد بخلافِهِ...»
· وجاء
فيه (3/319):
«وابن اللبون الذي دخل في ثالث سنة فصارت أُمُّه
لبوناً بوضع الحمل...»
· وجاء
في (لسان الميزان 5/242)
لابن حجر العسقلاني: «وهو في رابع سنة.»
· وجاء
في (تهذيب التهذيب 3/115):
«وحكى البارودي أنه أَسْلم سادس سنة...»
· وجاء
في (شرح الزرقاني 2/463)
للإمام الزرقاني (1122 هـ): «ولو لم
يَدَعْ لهم ثالث مسألة ما سألوه.»
· وجاء
في (نيل الأوطار 4/366)
للإمام الشوكاني (1255 هـ): «الثامن والثلاثون: أول ليلة أو تاسع ليلة أو سابع عشرة
أو إحدى وعشرين أو آخِر ليلة.»
· وجاء
في (التبيان، شرح بديعة البيان) لابن ناصر الدين (وهو من رجال القرن
التاسع الهجري) وهو يترجم للإمام البرزالي: «وفي خامس حِجَّة حَجَّها
مُتْهِماً مات.» (مُتْهِماً:
أي قاصداً الطريق السهلة البحرية لِتِهامة.)
8- الخلاصة:
يستبين
بما سبق صحة التراكيب الشائعة الاستعمال الآتية:
لكَ منّي
عاطرُ التحية / خالص المودّة / عميق المحبة...
لمسْتُ
منه صادق الهمّة / عظيم المَسَرَّة / طِيْبَ النّية...
تَقَبَّلَ
اللهُ صالحَ الأعمال (دُعاء! ).
145- أمّا(110)؛ أمّا إذا...
· (أمّا)
المشددة الميم حرف شرط وتوكيد، وتَلزم الفاءُ جوابَها أبداً. ولا يَفصل بين (أمّا)
وفائها إلاّ:
أ- اسمٌ، نحو قوله تعالى: )أمّا السفينةُ فكانت لمساكين يعملون في البحر...(.
)فأمّا اليتيم فلا تَقْهر، وأما السائل فلا تَنْهر، وأما
بنعمة رَبِّكَ فحَدِّث(.
الكسول يخسر، أما المجتهد فيربح.
ويُعرَب الاسم الواقع بين (أمّا) وفائها
على حسَب موقعه من العبارة: مبتدأً، مفعولاً به، الخ... بتعبير آخر: «الكلام بعد
(أمّا) على حالته قبل أن تدخل (أمّا) عليه»:
خالدٌ مجتهدٌ ← أمّا خالدٌ فمجتهدٌ.
ب- أو شرط، نحو ما جاء في التنْزيل
العزيز:
)وأمّا إنْ كان من أصحاب اليمين فسلامٌ لك من أصحاب
اليمين(.
أما إنْ كنت جادّاً
في كلامك فلي موقف آخر!
· (إذا(100)):
[انظر الفقرة 100].
(إذا) ظرف للمستقبل غالباً، متضمنٌ معنى
الشرط غالباً.
والماضي في شرطها أو جوابها مستقبَل
الزمن، سواء أكان ماضي اللفظ، أم كان ماضياً معنىً وحُكماً دون لفظ، وهو
المضارع المجزوم بـ (لم)
نحو:
إذا أنت لم تشرب مراراً على
القذى ظمِئتَ، وأيُّ الناس
تصفو مَشاربُه
ومن أحكام فعل جواب (إذا) [حين
يكون ماضياً متصرفاً مجرداً من (قد) و(ما) وغيرهما مما يتصل به ويوجب اقترانه
بالفاء] أنه إنْ كان ماضياً في لفظه (أو حكمه) مستقبلاً في معناه، غير
مقصود به وعد أو وعيد، امتنع اقترانه بالفاء، نحو:
«آية
المنافق ثلاث: إذا حَّدث كذَب، وإذا وعد أَخلَف، وإذا اؤتُمن خان.»
(حديث شريف).
· أمّا
إذا...
يقال مثلاً: (إذا درستَ نجحتَ، وإذا تقاعستَ رسبتَ)، وهذا كلام صحيح مبنىً ومعنىً.
ونلاحظ أن جواب (إذا) في العبارتين فعل ماض في لفظه
يفيد المستقبل في معناه، لذا لم يقترن بالفاء لأن الاقتران ممتنع في هذه الحالة
كما بيَّنا آنفاً.
ولكن كيف نكمل
العبارة الآتية:
(إذا درستَ نجحت،
أمّا إذا تقاعست...)؟
إنّ وجود (أمّا) يقتضي
الفاء في الجواب قطعاً، فلا يصحّ أن يقال هنا (رسبتَ) بلا فاء. ويمتنع اقتران
الفاء بفعل ماض يفيد المستقبل، أي لا يصحّ أيضاً أن يقال (فرسبْتَ). والصواب هو:
فترسُب.
وفي التنْزيل العزيز: )فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه رَبُّه فأكرَمَهُ ونَعَّمَهُ فيقول
ربّي أكْرمَن وأمّا إذا ما ابتلاه فَقَدَرَ عليه رزقه فيقول ربّي أهانن( (الفجر 15
و 16).
ولكن لك طبعاً أن
تقول:
(إذا درستَ نجحتَ، أمّا إذا تقاعستَ فلَعِبْتَ ولَهَوْتَ
فتَرسُب)، لأن (فلعبتَ ولَهوتَ) جزءٌ من جملة الشرط معطوفٌ عليه.
وقد استغربتُ ورود
العبارات الآتية في مقال يتحدث عن الإعراب وحركاته:
-
«أما إذا تغيرت
دلالته بعد أداة، استحق النصب!»
والوجه
أن يقال: أما إذا...، فيستحق النصب.
-
«أما إذا أُريدَ له
أن يدل على الزمن الماضي، اتصل بـ (لم)
أو (لمّا) وسكن آخره!.»
والوجه أن يقال: أما إذا...،
فيتصل بـ... ويسكن آخره.
-
«أما إذا قُيِّد ذاتياً، بُنِي على
أخف الحركات وهي الفتحة»!
والوجه
أن يقال: أما إذا...، فَيُبنى على أخف الحركات...
· جاء
في (اللسان /ويل): «قال الجوهري: ... هذا إذا لم تُضِفْهُ، فأما إذا أضفتَ، فليس إلا النصب...»
هنا دخلت الفاء على
(ليس) وهي كلمة تدل على نفي الحال (لا الماضي)!
· وجاء
في (مجمع الأمثال 1/130): «قال
المنذر: أما إذا استثنيت، فلستُ قابلاً منك شيئاً...»
· وجاء
في (الأدب المفرد 1/393): «...
أما إذا أبيتم، فأعطوا الطريق حقَّه...»
هنا دخلت الفاء على
فعل أمر.
· وجاء
في (نفح الطيب 6/66):
أما إذا استنجدتني من بعد ما ركدت لما جنت الخطوب رياحي
فإليكها مهزولة وأنا امرؤ قررت
عجزي واطّرحتُ سلاحي
· وجاء
في (صبح الأعشى 1/307): «أما
إذا أبيت، فإني أحببت عليّاً على عدله في
الرعية وقَسْمه بالسَّوِيَّة...»
هنا دخلت الفاء على
جملة اسمية.
· وجاء
في (اللسان /كفأ): «فأما إذا وَضَعَ السجع في مواضعه من الكلام، فلا ذمَّ فيه...»
· وجاء
في (جمهرة خطب العرب 2/401): «أما إذا جزى اللهُ المتواخين خيراً بفضل تواصلهما، فجزاك اللهُ
عني أفضل الجزاء...»
هنا دخلت الفاء على فعلٍ ماض، يفيد المستقبل في
معناه، لكنه يفيد الدعاء: أي مقصود به (وَعْد)، لأن الدعاء بنوعيه (بالخير والشر)
يندرج تحت الوعد أو الوعيد، ولهذا جاز اقتران هذا الفعل الماضي بالفاء.
146- حالات خاصة لجواب الشرط(40)
أولاً:
جواز عدم اقتران جواب الشرط بالفاء -
حين يكون جملة اسمية -
إذا كان فعل الشرط ماضياً. ذكرنا في الفقرة (100)
الحالات التي يجب فيها اقتران جواب الشرط بالفاء. ومن هذه الحالات أن يكون الجواب جملة
اسمية، نحو: إنْ تصفحْ فالصفح أفضل.
ولكن يجوز عدم
اقتران الجواب بالفاء إذا كان فعل الشرط ماضياً.
قال الإمام العكبري
في كتابه: (إملاء ما مَنَّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن 1/260):
«قوله تعالى: )...وإنْ أطعتُمُوهُم إنكم لمشركون(. حذف الفاء من جواب الشرط، وهو حَسَنٌ
إذا كان الشرط بلفظ الماضي، وهو هنا كذلك، وهو قوله:
(وإن أطعتموهم).»
-
إنِ اجتهدتَ
فأنتَ فائز ← إنِ اجتهدتَ أنت فائز.
-
إنْ لم
تتقاعس فالنجاحُ حليفُك ← إن لم تتقاعس النجاحُ حليفُك.
ثانياً:
جواز عدم اقتران جواب الشرط بالفاء -
حين يكون فِعل أمر - إذا كان فعل الشرط ماضياً.
- قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه [تاريخ الطبري 4/94]: «إنَّ الله عظّم الوفاء، فلا تكونون أوفياءَ حتى تَفُوْا؛ مادمتم
في شك أجيزوهم وفُوْا لهم.
علق الناقد اللغوي
الكبير صبحي البصّام (مجلة مجمع دمشق 58/4/833) على قول ابن الخطاب
بقوله: «وحذْف الفاء من (أجيزوهم) من الفصيح.» [نذكّر هنا بأن (مادام) مصدرية شرطية!]
- وجاء في (نفح
الطِّيْب 1/485):
إنْ كنتَ
مِنّا أبِشِرْ بخيرٍ أولا، فأيقنْ بكلِّ
شَرِّ
ثالثاً:
جواز الجزم والرفع في جواب الشرط -
حين يكون فعلاً مضارعاً إذا كان فعل الشرط
ماضياً.
يقول الشيخ مصطفى
الغلاييني في كتابه (جامع الدروس العربية 2/200): «الرفْعُ حسَنٌ،
والجزم أحسن!»
- قال تعالى: ) مَن كان يريد زينة الحياة الدنيا نُوَفِّ
إليهم أعمالهم(،
بجزم جواب الشرط.
- ومن الرفع
قول زهير بن أبي سُلْمى:
وإنْ أتاه
خليلٌ يومَ مَسْغبةٍ يقول لا غائب
مالي ولا حرمُ
- وقول عروة بن
الورد:
وإنْ بَعُدُوا
لا يأمنُون اقترابه تَشَوُّفَ أهلِ الغائب
المُتَنَظِّرِ
- وقول
أحمد شوقي:
إنْ رأتني
تَمِيلُ عني كأنْ لم
تَكُ بيني وبينها أشياءُ
- إنْ قُمْتَ أَقُمْ / أَقومُ؛ إن لم تَقُم أَقُمْ / أَقومُ!
147- أحكام (إنْ(113))
المكسورة الخفيفة
ترِدُ (إنْ) على
أَوْجُهٍ:
1- أوّلها: أن
تكون شَرطية، نحو: (إنْ تَدرُسْ تنجحْ). ونلاحظ
أن الجواب / الجزاء، أي (تنجح) مُسَبَّبٌ عن الشرط (تدرس). بعبارة أخرى، النجاح مُعلَّقٌ
على تحقيق الدراسة.
· وفي التنْزيل العزيز: )وإنْ
تَعوْدوا نَعُدْ(؛ )إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لهم(.
· ويكثر
وقوع (ما) الزائدة بعد (إنْ) الشرطية، فتُدغم فيها النون نطقاً وكتابة؛ كقوله
تعالى في الوالدين: )إمّا يَبْلُغنَّ عندك الكِبَرَ أحدهما أو كلاهما فلا تَقُلْ لهما
أُفٍّ...( وتسمّى في هذه الصورة: (إنْ) المؤكَّدة
بـ (ما).
· ملاحظة:
هنالك حالات يُحذف فيها فعلُ الشرط، أو جواب الشرط، أو كلاهما. فمثلاً: يُحذف فعل
الشرط بعد (إنْ) المردَفة بـ (لا)،
نحو: تكلمْ بخير وإلاّ فاسكُتْ (أي: وإلا تتكلم
بخير فاسكت).
2- ثانيها: أن تكون (شَرطية معترضة)(1) ولا يكون
(لشَرطها) جواب! وليس المراد بـ (الشرط)
هنا حقيقة (التعليق)، لأن التعليق يقتضي تَرتُّبَ أمر على أمر (كما في إن تدرس
تنجح).
وفيما يلي بعض
الأمثلة:
· قال
أبو العلاء المعرّي:
وإني وإنْ
كنتُ الأخيرَ زمانُه لآتٍ بما لم تستطِعْه
الأوائلُ
· وقال
ابن الرومي متحدثاً عن أُنْسِ الخليل:
خليلٌ أظلُّ إذا زارني كأني أُنْشأُ خَلْقاً جديدا
أراني-وإنْ
كثُر المؤنسون- ما غاب عني، وحيداً فريدا
بلَوْتُ
سجاياه في النائبات فلم أَبْلُ مِنهُنَّ إلا حميدا
[(الواو) قبل (إنْ)
حالية. ما غاب عني =
طَوال غيابه عني.]
· الحريص- وإنْ كثُر مالُه- بخيل.
· هذه النسخة- وإنْ لم يسقط منها أوراق وأبواب بتمامها- قد عَرِيَتْ من
سمات الأصالة.
· أُحبُّ ابني وإن عصاني.
· ذلك دورٌ مضى، وإنْ بقيَتْ آثاره.
ملاحظة: (إنْ) بالمعنى المذكور تقول عنها بعض
المراجع أنها بمعنى (لو)؛
فقد جاء في معجم (متن
اللغة): [وتكون بمعنى (لو)، نحو أَكْرِمْه وإنْ أَهانَكْ].
والمراد بـ (لو) هنا (لو
الوصلية) أي حين تكون حرف وصل لتقوية المعنى،
ووصْل بعض الكلام ببعض، نحو قوله تعالى:
)... لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قُرْبى( (المائدة 106).
)... وما أنتَ بمُؤمنٍ لنا ولو كنا صادقين( (يوسف 17).
وفيما يلي مزيد من
الأمثلة:
جاء في (المعجم الوسيط /بنو):
الابن:
ابنُ الابن وإنْ نَزَلْ.
وجاء فيه (لو):
لَظَلَّ
صدى صوتي وإنْ كنتُ رِمَّةً لِصوتِ صدى ليلى يَهِشُّ
ويَطْرب
3- ثالثها: أن
تكون نافية ً مُهمَلةً بمعنى (ما)،
وتدخل:
أ- على الجمل
الاسمية، نحو: إنْ سعيدٌ إلا شاعر. )إن
الكْافرون إلا في غُرور(.
ب- على الجمل
الفعلية، نحو: )إن يقولون إلا كذباً(. )إن أردنا إلا الحُسْنى(.
4- رابعها: أن
تكون نافية تعمل عمل (ليس)، نحو:
إن أحدٌ خيراً من أحدٍ إلا بالعافية. أي: إلا بكثرة ضيوفه. (العافية) جمع (العافي) وهو الضيف.
أو: إلا بدفْع المكروه وصَرْف الأذى.
5- خامسها: أن
تكون مُخفَّفة من (إنَّ)- فتكون للتوكيد- في هذه الحال تُهمل، أي: لا تعمل، ويؤتى بعدها في الكلام بلامٍ
تسمى (اللام الفارقة)، نحو:
إنْ خالدٌ
لمجتهدٌ، وإنْ نظنّه لمن الناجحين.
6- سادسها: أن
تكون زائدة، وتدخل على الجمل الاسمية والفعلية، نحو:
ما إنْ جاء
زهير حتى انصرف.
وقول الشاعر:
فما إنْ
طِبُّنا جُبْنٌ ولكن منايانا ودَوْلَةُ آخرينا
[طِبُّنا= عادتنا]
7- سابعها: أن
تكون بمعنى (إذا)، نحو قوله تعالى: )يا أيها
الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إنِ اسْتَحَبّوا الكُفر على
الإيمان...(
(التوبة 23).
8- ثامنها: أن
تكون للتفصيل، فلا تجزم ولا تعمل شيئاً، وإنما تفيد التفصيل، نحو:
- سِرْ
مُسْرعاً إنْ راكباً وإنْ ماشياً.
- زهير
مُمتدحٌ إنْ حاضراً وإنْ غائباً.
- هذه
البضاعة رائجة إن في الداخل وإنْ في الخارج.
وهي ترِد أيضاً في
الجمل المكوَّنة من (اسم
شرط) متضمِّنٍ معنى حرف
الشرط (إنْ) من غير ذكرٍ صريح لهذا الحرف.
[من المعلوم أن أدوات
الشرط هي: حرف الشرط (إنْ)، وأسماء الشرط، ومنها: مَن، ما، متى، حيثما.]
فإذا اقتضى الأمر (بدلاً) يفصّل مجمل اسم الشرط (المبدَل منه) ظهر مع البدل حرف الشرط
(إنْ) ليوافق المبدلُ المبدلَ منه في تأدية المعنى، نحو:
· الشرط
للعاقل: مَنْ يُجاملْني إنْ صديقٌ وإنْ عَدُوٌّ
أجامِلْهُ. الأصل قبل التفصيل: (مَن يجاملْني أجاملْه). فكلمة (صديق) بدل تفصيل من (مَنْ)
الشرطية، و(إنْ) للتفصيل.
· الشرط
لغير العاقل: ما تقرأْ إنْ جيداً وإن رديئاً تتأثرْ به
نفسُك.
فكلمة (جيداً) بدل من
كلمة (ما)، و(إن) للتفصيل.
· الشرط
الدال على الزمان: متى تزُرْني إنْ غداً وإنْ بعد غد
أسعدْ بلقائك.
فكلمة (غداً) بدل من
(متى)، و(إنْ) للتفصيل.
· الشرط
الدال على المكان: حيثما تجلسْ إنْ فوق الكرسي وإنْ فوق
الأريكة تجدْ راحة. فكلمة (فوق) بدل من (حيثما)، و(إنْ) للتفصيل.
§
مصادر البحث:
· (النحو الوافي) لعباس حسن، 4/434.
· (جامع الدروس العربية) للشيخ مصطفى الغلاييني، 2/193.
· (الكفاف) ليوسف الصيداوي، 418.
148- متى تُكسَر همزة
(إنَّ(115)) بعد فعل القول؟
أولاً: يجب
فتح همزة (إنَّ) في موضع واحد هو: أنْ تقع مع معمولَيْها (أي اسمها وخبرها) جزءاً
من جملة مفتقرة إلى اسم مرفوع، أو منصوب، أو مجرور، ولا سبيل للحصول على ذلك الاسم
المطلوب إلا من طريق مصدر مَسْبوكٍ من (أنَّ) مع معموليها. ففي مثل: (سَرَّني أنك بارٌّ أهلَك) لا نجد فاعلاً صريحاً للفعل
(سَرَّ) مع حاجة كل فعل إلى فاعل. ولا وسيلة هنا للوصول إليه إلا بسَبْك مصدر
مؤوَّل من (أنَّ) مع معموليها، فيكون التقدير: سَرَّني
بِرُّكَ أهلَك.
-
علمت أنك
مسافر ← علمتُ سفرك.
-
تألمتُ من
أنَّ صديقي مريض ← تألمت من مرض صديقي...
[انظر (النحو الوافي 1/642).
ثانياً: إذا
لم يَصِحَّ أنْ يُسْبك من (أنّ) ومما بعدها مصدر، وَجَبَ كسر همزتها، نحو:
)إنّ ربَّكَ لَيحكُم بينهم(. )إنَّ في ذلك لَعِبْرة(. )إنا فتحنا لك فتحاً مُبيناً(.
ثالثاً: إذا
كان الكلام بعد فعل (القول) أو مشتقاته يحكي(يَروي) نَصَّ المَقُول بلفظه، وَجَبَ
كسْر همزة (إنّ)، نحو: )قال إني عبد الله(. )قال إنه يقول إنها بقرةٌ صفراء(.
فتعبير (إنه يقول)
يعني أنّ هذا نص كلام سيدنا موسى، و(إنها بقرة صفراء) نص كلام ربِّه تعالى.
قال الشاعر:
تُعَيِّرُنا
أنّا قليلٌ عديدُنا فقلت لها: إنّ الكرامَ قليلُ
· أما
إذا كان (القول) بمعنى الظن فلا تكسَر همزة (إن)، نحو:
(أتقول المراصد أن الجوَّ بارد في الأسبوع المقبل؟) أي: أتظن ذلك؟
- وكذلك تُفتح همزة
(أنّ) بعد (قال) إذا لم يُرِدِ المتكلمُ حكايةَ مفعولها، نحو:
قال
القاضي أنّه يوافق على مقترحات المحامي.
ولكن: قال القاضي: إني أوافق على مقترحات المحامي.
- لننظر في هذه
العبارة: قال اني أُحبّ الشِّعر.
إذا كسرتَ همزة
(إنّي)، فالمعنى أن هذا هو نَصُّ كلامه، أي هو يُحب الشِّعر.
وإذا فتحتها: (أنّي)،
كان معنى كلامك أنه قصد أنك أنت تحب الشعر.
· تأتي
الباء بعد فعل (قال) ومشتقاته إذا كان المقصود به الاعتقاد أو الرأي، نحو:
(يقول بعض العلماء بأنَّ
الكون يتمدد)، أي:
يقولون بتمدد الكون، هم يَرَوْن ذلك، يعتقدونه.
(يقول فلانٌ بأنَّ النظرية
الفلانية هي الفُضلى!)
والخلاصة:
تكسر همزة (إنّ) بعد القول إذا قصدتَ الحكاية: وهي نقل الجملة بلفظها.
وتفتح همزة (أنّ) بعد
القول إذا لم تقصد الحكاية!
149- دخول حروف الجر على (حيث)
(حيث) ظرف مكان(50)
مبني على الضم. هذا هو المشهور. ومما جاء في (المعجم الكبير) الذي يصدره مجمع اللغة العربية
بالقاهرة:
«حيث: أشهر
استعمالاتها أن تكون ظرف مكان، يضاف إلى الجملة الاسمية أو الفعلية، وإلى الفعلية
أكثرُ، سواء أكانت مثبَتَةً أم منفيّة. وتكون مجرورة أو مَبْنِية في محل جر بعد
حروف الجّر: مِن، الباء، في، إلى؛ أو إذا كانت مضافاً إليه بعد (لدى).»
§ فمثال
إضافتها إلى جملة فعلية مثبتة:
)فَكُلُوا منها حيث شئتم رَغَداً( (البقرة
58).
قال الشاعر:
وما المرء
إلا حيث يَجعلُ نفسَه ففي صالح الأخلاق
نفْسَكَ فاجْعَلِ
§ ومثال
إضافتها إلى جملة فعلية منفية:
)وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون( (النحل
26).
)ومن يَتَّقِ اللهَ يجعلْ له مَخرجاً ويرزُقْه من حيث لا يحتسب( (الطلاق 3).
§ ومثال
إضافتها إلى جملة اسمية:
-
جلستُ حيث
الجلوسُ مُريح.
-
هنا تطيب
الحياة حيث الشمل ملتئمٌ وحيث الجمع مؤتلف.
فإن تَلاها مُفردٌ
(أي ما ليس جملة) فهو مبتدأ محذوف الخبر، نحو:
(مكثنا حيث الظلُّ)، أي مكثنا حيث الظلُّ ممتد.
ومن النحاة الكبار من
يجرُّ هذا المفرد، نحو: أنا مقيمٌ حيثُ الهدوءِ وحيثُ
الاطمئنانِ.
وحُجَّتهُم أمثلةٌ
مسموعة فصيحة، كقول الشاعر:
ويطعنهم
تحت الحُبا بعد ضربهم بِبِيْض المواضي حيثُ لَيِّ العمائمِ
وقد أجاز مجمع
القاهرة قياسية إضافة (حيث) إلى الاسم المفرد، على أن يُجَرَّ ما بعدَها.
· مِن
حيثُ:
ورَدَ هذا التركيب
كثيراً في التنْزيل العزيز. وقد ذكرنا آنفاً مثالين من سورتي النحل والطلاق.
وفيما يلي أمثلة
أخرى:
)وأَخْرِجوهم من حيث أخرجوكم( (البقرة 191).
)إنه يراكم هو وقبيلُه من حيث لا تَرونَهم( (الأعراف 27).
)سنستدرِجُهم من حيث لا يعلمون( (الأعراف
182).
قال أبو العتاهية:
وقد يهلِك
الإنسان من باب أَمْنِهِ وينجو بإذنِ اللهِ من حيثُ
يَحْذَرُ
· بحيثُ:
§ قال
الحُطيئة (توفي 45 هـ/665
م):
فَلَمْ
أشتُمْ لكم حَسَباً ولكن
حَدَوْتُ بحيث يُسْتمعُ الحُداءُ
§ وجاء
في كتاب (دلائل الإعجاز) للإمام عبد القاهر الجرجاني (474
هـ):
ص 425:
«... وأنّ قلبه قلب لا يخامره الذعر ولا يدخله الرَّوع، بحيث
يُتَوهَّم أنه الأسد بعينه.»
ص 427:
«... رأيت رجلاً هو من الشجاعة بحيث لا يَنْقُص
عن الأسد.»
ص 448:
«... إن الاستعارة، لَعَمري، تقتضي قوةَ الشَّبَه وكونَه
بحيث لا يَتميَّز المشَبَّهُ عن المشبَّه به.»
وتكرر هذا الاستعمال
كثيراً في هذا الكتاب...
§ وجاء
في (رسائل إخوان الصفا 3/33)
[من القرن الرابع الهجري]:
«... بل
إنما ذمّهم بحيث أنهم لا يفقهون أمر المعاد.»
§ وجاء
في (أساس البلاغة /عقب)
[توفي الزمخشري 538 هـ):
«ولم أجد من قولك
مُتَعَقَّباً أي مُتَفَحَّصاً، يعني أنه من السَّداد والصحة بحيث لا يحتاج
إلى تَعَقُّب.»
· في
حيثُ:
§ جاء
في (نهج البلاغة /177) تحقيق الإمام محمد عبده:
«وغَمُضت
مداخل العقول في حيث لا تبلُغُه الصفات لِتناوُلِ عِلم ذاته سبحانه.»
§ وجاء
في (المغني 6/133) للإمام ابن قُدامَة المقدسي (689
هـ):
«... وقد
يكون الصبغ لا يحصَّل إلا في حيث يحتاج إلى مؤنة كثيرة...»
§ وجاء
في (الأغاني 13/37):
«روى ابن الأعرابي عن
أرطأةَ بن سُهَيَّة أنه هجا حُباشة الأسدي؛ فقال:
أَبْلِغْ حُباشةَ أني غيرُ
تاركِهِ حتى أُذَلِّلَهُ إذ كان ما كانا
........... ...........
قد
نَحْبِس الحقَّ حتى ما يُجاوِزنا والحقُّ يحبسنا في حيثُ يلقانا»
§ وجاء
في (نفح الطيب 1/652):
«قال أبو القاسم العطار،
أحد أدباء إشبيلية ونُحاتِها:
ما كالعَشِيَّة في رُواء جَمالها وبلوغ نفسي منتهى آمالها
ما شئتُ
شمس الأرض مُشْرِقَةَ السَّنا والشمس قد شَدَّتْ مَطِيَّ رحالها
في حيث تنساب المياه أراقماً وتُعِيْرك الأفياءُ بُرْدَ ظلالها»
· إلى
حيثُ:
§ جاء
في (أساس البلاغة /أرب):
«يقولون: أَلْحِق بمآربك من
الأرض، أي اذهبْ إلى حيث شِئت.»
§ وجاء
فيه (ثني):
«ثنيت فلاناً على وجهه،
إذا رجَّعه إلى حيث جاء.»
§ وجاء
فيه (خوص): قال ذو الرمة:
مُراعاتَكِ
الآجالَ ما بين شارعٍ إلى حيث حادت عن
عَناق الأواعس
§ وقال
إبراهيم بن هرمة (176 هـ):
سالت به
شعبة الوفاء إلى حيث انتهى السهل وانتهى الجبل
§ وقال
إبراهيم بن العباس الصولي (243 هـ):
أُعَوِّذه
دائماً بالقرآن وأرمي
بطَرْفي إلى حيث حلْ
فأضحت يدي
قصدها واحدٌ إلى حيث حلَّ فلم يرتحلْ
· لِحَيْثُ:
§ قال
الَعْرجي (120
هـ):
لحيث ما شِئتِ فهو معترفٌ
قد صار للحُبّ في الهوى مثلا
§ وقال
أبو نواس (ت 198
هـ):
وصاحب
الفرحة مستوفز لحيث ما يبلغه عنّي
· لدى
حيثُ:
قال زهير بن أبي
سُلْمى (أساس البلاغة /رحل):
فشَدَّ
ولم يفزع بيوتاً كثيرة لدى حيثُ أَلْقَتُ
رَحْلها أُمُّ قَشْعَمِ
أم قشعم: المَنِيَّة.
· على
حيثُ:
جاء في (نهج البلاغة /185) تحقيق الإمام محمد عبده:
«وتحتها
ريحٌ هَفَّافةٌ تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية.»
150- جمع الأسماء
والصفات زِنَة (فَعِيْل)
أولاً:
تُجمع الأسماء وِزان (فعيل) على 13 وزناً، منها خمسة
أوزان قياسية، والبقية سماعية...
فالقياسية:
فُعْلان،
نحو: قميص قمصان، قضيب قضبان، رغيف، خليج، كثيب...
أَفْعُل
(للمؤنث المعنوي)، نحو: طريق أَطْرُق، سبيل أسبُل؛ يمين
أَيْمُن...
أَفْعِلة
(للمذكر)، نحو: رغيف أرغفة، سرير أَسِرَّة...
فَعائل
(للمؤنث المعنوي)، نحو: خريق خرائق... (أي: الريح
الباردة؛ والمنخفض من الأرض وفيه نبات بين أرضين لا نبات فيهما!). وشَذَّ (لأنه مذكر): مديح مدائح، ضمير،
ضريح، فريد...
فُعُل
(لغير المضعَّف وغير مُعتل اللام) نحو: رغيف رُغُف، طريق
طُرق، قضيب، غدير، خليج...
ثانياً:
تجمع الصفات وِزان (فعيل) على 15 وزناً، منها أربعة
قياسية، والبقية سماعية...
فالقياسية:
أَفْعِلاء
(المعتل اللام) ، نحو: نبيّ
أنبياء، قويّ، غني، ذكي، تقي...
(أو
المضعّف للمذكر العاقل)، نحو: عزيز أعزاء، طبيب، شحيح، خليل، ضرير...
وشذّ: صديق، بريء...
فِعال
(الصحيح اللام بمعنى فاعل)، نحو: كريم كِرام، صغير،
طويل، ظريف، سمين، قويم، صبيح...
فَعْلى (إذا كان الوصف بمعنى مفعول، داّلاً على
آفة أو مكروه يصاب به الحيّ)، نحو: قتيل قَتْلى، جريح
جرحى، أسير أسرى، صريع صرعى...
(أو إذا كان وصفاً
للفاعل للدلالة على هُلْكٍ أو تَوجُّع) نحو: مريض مرضى، شتيت شَتّى، كَسِير كسْرى...
فُعَلاَء
(الصحيح اللام وغير المضعَّف لمذكر عاقل بمعنى اسم الفاعل يدلّ على مدحٍ أو ذَمّ)،
نحو: لطيف لُطفاء، حكيم حكماء، كريم، ظريف، خبير، رحيم،
حليم، نظير، شريك، وسيط، عميل...
وشذ (لأنه بمعنى
مفعول) شهيد، أسير، سجين، قتيل (ومن الفصيح الذي تستعمله العامة: قُتَلاء!)
ويستثنى أربعة
ألفاظ لا تُجمع على فُعلاء وإنما على فِعال، وهي: صغير، طويل، سمين،
صبيح...
ولم يُحْكَ (مما جُمع
على فُعلاء) وصفٌ لغير مذكر عاقل إلا نادراً، إذا كان أصله أن يكون للعاقل.
فقد جاء في معجم (متن اللغة): «القرين: البعير المقرون بآخر، والقرين: الِمثْل في
السِّن، والمصاحب المقارن، ج: قُرَناء...»
فيكون جمعه هذا على
المجاز. وجُمع على فُعلاء ما هو للعاقل المؤنث كما هو الحال في
القرينة. فقد جاء في (متن
اللغة): «القرينة: الزوجة (مجاز)... ج قُرَناء!.»
وكذلك جمعوا فقيهة
على فُقهاء (كأن الفقه في الأصل للمذكر).
جاء في (المعجم الوسيط):
«النظير: المُناظر، والمِثْل والمُساوي. وفلانٌ منقطع النظير: منفرد في بابه. ج
نُظَراء.»
النظيرة:
مؤنث النظير... ج نظائر... النظائر المُشِعَّة: ذرّاتٌ لعنصر
واحد... واحدتها: النظيرة المشعة..
وقد جمع نظير على نظراء
لغير العاقل. فقد جاء في (المعجم الوسيط /فرد): «استفرد الشيءَ: اختاره وحدَه من
بين نُظرائه!.»
وعلى هذا يصح أن نجمع القرين والوسيط
والنظير على فُعلاء (مجازاً) ولو لم يكن لمذكر عاقل.
فالأصل هنا: ... إنْ
كان المَقُول صدقاً وإن كان كذباً...
... إن كنت راكباً وإن كنت
ماشياً...
... إن كان حاضراً وإن كان غائباً...
وفي الحديث: التمِسْ
ولو خاتماً من حديد. والتقدير: ولو كان المُلْتَمَسُ (ما تلتمِسُه) خاتماً من
حديد.
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف