161- زاد عليه، وزاد عنه
فِعْل (زاد يزيد زَِيْداً وزيادةً)
يتعدى تعدي (فَضَل يَفْضُل فضلاً) بـ (عن) و (على). جاء في معجم «متن اللغة»:
فَضَل الشيءُ: زاد. فإن قصدتَ إلى بيان
ما يفوق به شيءٌ شيئاً آخر، أو يعلو به عليه، أو إلى إضافة شيء إلى شيء آخر،
استعملتَ (على) لأنها للاستعلاء. قال تعالى: )أو
زِدْ عليه ورَتِّلِ القرآن ترتيلا(
[المزمل/4].
وقال الحكيم الجاهلي ذو الإصبع
العدواني، من قصيدة مشهورة:
وأنتُمُ مَعشرٌ زَِيْدٌ على
مئةٍ فأجمِعوا أمركم طُرّاً
فكيدوني
أي: عددكم يزيد على مئة. ويقال: زاد عليه في الكرم. ويقال: فَضَلَ فلانٌ على
غيره: غلبه بالفضل. وفي نهج البلاغة: فإن طاعة الله
فاضلةٌ على ما سواها. ويقال: لا مزيد على
ذلك...
ولك أن تقول: أعطاه
مكافأةً زيادةً على راتبه (أي فوق راتبه)...
وإذا قصدْتَ باستعمالك الفعل المجاوزةَ
وبيان الفرق بين أمرين أو مقدارين، استعملتَ (عن).
قال المرزوقي في شرح الحماسة: أو تزيد عن المطلوب. وفي مفردات الراغب: الفضل: الزيادة عن الاقتصاد.
وقال الهوريني: ولعل المصنِّف لم يطّلع عليه، و إلا لزاد عنه. ويقال: مالُ فلانٍ يزيد عن حاجته.
قال الزمخشري: مالُ
فلانٍ فاضلٌ كثير، يَفْضُل عن القوت. ولك أن تقول: زاد عن الحدّ...
هذا هو الأصل في تعدية (زاد) و(فَضَل)
بـ (عن) و(على). وقد يتماثل المعنَيان في كلٍّ منهما إذا عَدَّيته بالحرفين فيقع
(زاد عنه) موقع (زاد عليه)، وينَزل (فضل عنه) منْزلة (فضل عليه).
قال الشاعر الجاهلي قبيصة الجرمي
مفتخراً بقومه:
.... يزيدُ نَبالةً عن
كل شيءٍ ونافلةً، وبعضُ القوم دونُ!
قال المرزوقي في شرح ديوان الحماسة
مفسراً البيت: (فيه نُبل وحميّة وعزّ، فيفضُل على كل
نبيل، ويعلو على كل ذي شأن نبيه، وبعض القوم ساقط قاصر). فماثَلَ في شرحه
بين (زاد عنه) و (زاد عليه)، وهو ما أراده الشاعر.
162- رَغِبَ في/ عن/ إلى...
- رغب فلانٌ في الشيء: حَرَص عليه وطمع فيه.
- رغب فلانٌ عن الشيء: تركه متعمداً
وزَهِد فيه. وفي الحديث الشريف: «من رغب عن سُنَّتي فليس
منّي».
- رغب له عن الشيء: كرهه له.
- رغب بنفْسه عن فلان: رأى لنفسه عليه
فضلاً؛ فضَّل نفسه عليه.
وفي التنْزيل العزيز: )ما كان لأهل المدينة ومَن حَوْلهم مِن الأعراب أن يَتَخَلَّفُوا عن
رسول الله ولا يرغبوا بأنفُسِهم عن نفسِه(
[التوبة/120]. أي: بأن يَصُونوها عما رضيه لنفسه من الشدائد.
- رغب بفلان عن فلان: فضّله عليه. قال
ابن المقفع:
(لعلّه يرغب
به عني ويميل معه عليّ) أي: لعلّه يفضّله عليّ ويعاديني معه.
- رغب بنفسه عن الشيء: ترفّع عنه.
- رغب بفلان عن كذا: ربأ به عنه.
- رغب إليه في كذا وكذا: سأله إيّاه.
- رغب إلى الله تعالى: ابتهل وضَرَع
وطلب. وفي التنْزيل العزيز: )وإلى ربِّك فارغبْ(
[سورة الشرح/8]، أي: تَضَرَّعْ.
163- نَبَّه على/ لـِ/ من/ إلى؛ نبَّه
فلاناً.
جاء في معاجم اللغة:
نَبّه على الشيءِ وللشيءِ:
وقَّفَهُ عليه وأطْلعه. يقال: نَبَّهَهُ من نومِهِ فانْتَبَهَ.
يقال: نَبَّهَهُ من غفلته:
بَصَّرَه.
· قال
الزمخشري في كشّافه (1/591): ويُنَبِّهنا لِما وجب
الانتباه له.
· واستعمل
الرافعي في كتبه (وحي القلم مثلاً) «نَبَّه إلى» و «تَنَبَّه إلى»
كثيراً جداً، بمعنى «لفت انتباهه إلى...»
· وجاء
في مقال لأحمد حسن الزيات بعنوان (تجاربي في تدريس العربية)، مجلة الفيصل، العدد
218: (... وتنبيههم إلى ....)
· وقال
الشيخ علي الطنطاوي في كتابه (فِكَر ومباحث): لا بدّ من
التنبيه إليه...
· يقال:
نَبَّه فلاناً: رَفَعَهُ وشَهَرَ اسمَه.
قال الزمخشري في كشّافه (1/610): لم يرسِل إليهم من يُنَبِّهُهُم عن غفلتهم.
انتبه للأمر: فطِن له. وانتبه من
النوم: استيقظ.
[وجاء في كتاب (الأغاني 20/ 326): «لم ينتبه إليه أحد»].
تَنَبَّه على الشيء: وقف عليه
واطّلع.
تَنََبَّهَ للأمر: فطِن له.
وتَنبَّهَ من نومه: انتبَهَ.
ولكن جاء (تنبّه إليه) في كلام
الإمام أبي عبد الله البلخي ["وحي القلم" للرافعي 1/123].
164- هَدَاه كذا/ هداه لكذا/ هداه إلى
كذا.
قال الإمام الزمخشري (ت 528هـ) في «الكشاف
1/ 15»، شرحاً لقوله تعالى: )اِهْدنا
الصراطَ المستقيم(:
«هَدَى أصله أن يتعدّى باللام أو بإلى، كقوله تعالى: )إنّ
هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم(
و )إنك
لتهدي إلى صراطٍ مستقيم(
فَعُومِل [في الفاتحة] معاملة (اختار) في قوله تعالى: )
واختار موسى قومَهُ(.»
ومعنى قول الإمام هو أن (قومَهُ) منصوب
على نزع الخافض (أي حذْف حرف الجر)، كأن الأصل هو (مِن قومِهِ)؛ وكذلك (الصراطَ)
منصوب على نزع الخافض، كأن الأصل هو (للصراطِ).
أما الإمام ابن قَيِّم الجَوْزيّة (ت
750هـ) فقال في كتابه (فوائد الفوائد 2/21): «متى عُدِّي فعل الهداية بـ (إلى) تضمَّن
الإيصال إلى الغاية المطلوبة، فأتى بحرف الغاية. ومتى عُدِّي باللام تضمَّن
التخصيص بالشيء المطلوب، فأتى باللام الدالة على الاختصاص والتعيين. فإذا قلت:
هديتُه لكذا، فُهم معنى ذكرتَه له، وجعلتَه له، وهيأتَه ونحو هذا... وإذا تَعَدَّى
بنفسه تضمَّن المعنى الجامع لذلك كله، وهو التعريف والبيان والإلهام.
فالقائل إذا قال (اِهْدنا الصراط
المستقيم) هو طالب من الله أن يعرِّفه إيّاه، ويُبيِّنه له، ويُلْهمه إياه، ويقدره
عليه، فيجعل في قلبه علمه وإرادته والقدرة عليه، فجرَّدَ الفعل من الحرف،
وأتى به مجرّداً مُعَدًّى بنفسه ليتضمن هذه المراتب كلها. ولو عُدِّي بحرف،
تَعَيَّن معناه وتخصص بحسَب معنى الحرف؛ فتأمَّلْهُ فإنه من دقائق اللغة وأسرارها.»
165- تاب عن المعصية/من ذَنْبِه. تاب
إلى الله تعالى، تاب الله تعالى عليه.
تاب فلان: رجع عن المعصية.
قال المعرِّي: من لم يَتُب عن الخمر
في الدار الساخرة (أي الدنيا) لم يُسْقَها في الآخرة.
وقال المتنبي:
إن أكن قبل أن رأيتك
أخطأ ت فإني على يديك أتوبُ
وفي التنْزيل العزيز: )فمن تاب من بعد ظُلْمِهِ وأصلح فإن الله يتوب عليه(
[المائدة/
39].
- تاب الله على عبده: وَفَّقه
للتوبة وغفر له ورجع عليه بفضله.
- تاب فلانٌ من ذَنْبه: رجع عنه.
قال ابن المقفع: تاب مما صنع،
وشَرَطَ (أي التزم) ألاّ يعود إلى مثل ذلك. وقال طه حسين: أظهر سيف الدولة
استعداداً حسناً للعفو عن المتنبي... إذا تاب جهرةً من
خطيئته.
تاب إلى الله تعالى: رجع إليه
بالطاعة. وفي التنْزيل العزيز: )ويا قومِ استغفروا ربَّكم ثم توبوا إليه يرسِلِ السماءَ عليكم
مِدْراراً( [هود/ 52]
166- (تَغَلْغَلَ) لا (تَسَلَّل)
شاع استعمال الفعل (تسلل) بغير المعنى
الذي وُضع له. فقد جاء في معاجم اللغة:
«اِنْسَلَّ: خرج في خُفْية.
تسلَّل: انسلَّ. يقال: تسلل في الظلام،
أو من الزحام.»
ومعنى (تسلل في الظلام): خرج في خفية.
ومعنى (تسلل من الزحام): خرج بهدوء، غير
ملحوظ...
وفي التنْزيل العزيز: )قد يعلمُ اللهُ الذين يتسلَّلون منكم لِواذاً(
[النور/63]
(قد) هنا للتحقيق. قال الفرّاء: يلوذ
هذا بهذا، يستتر ذا بذا.
ومعنى الآية: يعلمُ اللهُ تعالى الذين يخرجون
من المسجد في الخطبة من غير استئذان، خُفْيةً مستترين بشيء.
ولكن الشائع الآن نحو قولهم:
تسللت دَوْرية مُعادية مجتازةً خط
الحدود، فتصدَّت لها قوةٌ من حَرَس الحدود.
يريدون بذلك أن الدورية دخلت البلاد
عابرةً خط الحدود.
- ويقولون مثلاً: تسلَّلت الفيروسات من
الشابكة (الإنترنت) إلى شبكة الحواسيب.
يريدون بذلك دخول الفيروسات إلى
الشبكة.
فالاستعمال الشائع كما ترى، هو بضدِّ
المعنى الصحيح: إذ يستعملون (الخروج) بدل (الدخول).
والوجه أن يقال: تغلغلت دورية مُعادية...
وتغلغلت
الفيروسات في شبكة الحواسيب (من الشابكة).
جاء في معاجم اللغة: غَلْغَلَ الشيءَ في
الشيءِ: أدخله فيه حتى يلتبس به ويصير من جملته.
تَغَلْغَلَ في الشيء: دخل فيه. تغلغل
الماءُ في الشجرة: سَرَى فيها، تخلّلها.
167- رَصَدَ، أَرْصَدَ
شاع استعمال الفعل (رصد) في غير ما وضع
له. فالملاحَظ أنه يستعمل بمعنى الفعل (أرصد).
ففي معاجم اللغة: «رَصَدَهُ
يَرْصُدُهُ رَصْداً ورَصَدًا: قعد له على الطريق يرقُبُه.»
فهو راصد (اسم الفاعل)، وذاك مَرصود
(اسم المفعول). ويقال: رَصَدَ النجمَ، ومنه: المَرْصَدُ الفلكي.
و «أرَصَدَ (يُرْصِدُ إرصاداً)
الشيءَ له: أعدَّه.» فهو مُرْصِدٌ (اسم الفاعل)، وذاك مُرْصَدٌ (اسم المفعول).
يقال: أرصدَ
له بالخير أو الشرّ: كافأه. ويقال: أرصدَ الحسابَ:
أظهرهُ وأَحْضَرَهُ.
جاء في إحدى المقالات العلمية: «...
نفّذوا أخيراً مشروعاً رُصدت له ميزانية مقدارها 800 ألف دولار.» والوجه أن يقال:
.... أُرصدت له ميزانية...
وفي التنْزيل العزيز: )...
وإرصادًا لمن حارب اللهَ ورسولَه من قبلُ...(
[التوبة/
107]،
أي: إعدادًا لأجل مَن حارب....
168- ضاف، ضَيَّف، استضاف
وشاع أيضاً استعمال (استضاف) في غير
معناه. فالملاحَظ أنه يستعمل بمعنى (ضيَّف).
· مما
جاء في معاجم اللغة: «ضافَ فلاناً يُضِيْفُهُ ضيافةً: نَزَلَ عنده ضيفاً»،
وضافَهُ: طلب منه الضيافة.
·
«أضافَ فلاناً: أنزله ضيفاً
عنده، أغاثه وأجاره.» ومنه: المُضِيف والمضيفةُ (اسم الفاعل). يقال:
الدولة المضيفة للمؤتمر.
·
«ضيَّف فلاناً: أضافَهُ.» وفي
التنْزيل العزيز: )فانطلَقَا حتى إذا أَتَيا أَهْلَ قريةٍ اسْتَطْعما أهلَها فَأَبَوْا
أن يُضَيِّفوهما... ([الكهف/
77]
·
«استضاف فلاناً: سأله الضيافة».
- جاء في إحدى الدراسات: «... وتقدِّم له
الإدارة المستضيفة مخصَّصاته الأصلية..» والوجه أن يقال: تقدم
له الإدارة المُضيِفة/ المُضيِّفةُ..
- وجاء أيضاً: «... لم تبخل (اللغة
العربية) بالاستجابة إلى احتضان المفهوم الجديد منذ استضافَهُ التداول
العربي.» والوجه أن يقال: «... بالاستجابة لاحتضان
المفهوم الجديد منذ ضيَّفه/ أضافَهُ...».
- يقال على الصواب: وصل الزائر الغريب إلى القرية مساءً، فاستضاف «مختارَها»
فَضَيَّفَهُ وأكرمه...
169- الحَقُّ؛ بالحقِّ إنه؛ والحقُّ
أنه، في الحق أنه، حقًّا أنه
لكلمة (الحقّ) معانٍ كثيرةٌ، منها:
1- الحقُّ: اسم من أسمائه تعالى، ولذا
يُستعمل للقَسَم فتدخل عليه باء القسَم، نحو: نال فلان
الدرجة الأولى، وبالحقِّ إنّه ليستحقها.
[من المعلوم أن همزة (إنَّ) تكسر إذا
وقعت مع ما بعدها جواباً للقَسَم، نحو: واللّهِ إنه لَشَهْم.]
2- الحقُّ: الثابت بلا شك. وفي
التنْزيل العزيز: )إنه لَحَقٌّ مثل ما أنكم تنطِقون(
[الذاريات/ 23]
ويوصف به، فيقال: قولٌ حقٌّ. ويقال: هو
العالِمُ حقُّ العالم: متناهٍ في العِلم. وهو
حقٌّ بكذا: جديرٌ به.
3- الحقُّ: الشيء الصادق الواقع، نحو:
اعترضوا على كلام فلان، والحقُّ أنه على صواب.
ونحو: في
الحق أنك إنسان كريم.
قال الشاعر: أفي
الحقِّ أني مُغرمٌ بك هائمٌ...
4- حَقَّ يَحِقُّ حقاً: صحَّ وثَبَت
وصدق.
وفي التنْزيل العزيز: )ليُنْذِرَ
مَن كان حيًّا ويَحِقَّ القولُ على الكافرين(
[يس/ 70]
يقال: حقًّا
أنه كريم. [تُفتح همزة (أنَّ) بعد
(حقًّا)، والتقدير (وفقًا للمُبَرِّد): حقَّ حقًّا أنه كريم= حقَّ حقًّا كَرَمُه.
حقًّا: مصدر. كرمه: فاعل حقَّ].
5- الحقُّ: الصحيح الثابت من العقائد
والأحكام.
وفي التنْزيل العزيز: )وبالحقِّ أنزلناهُ وبالحقِّ نَزَل(
[الإسراء/ 105]
6- الحقُّ: الصدق: )تلك آياتُ اللهِ نتلوها عليك بالحقِّ(
[البقرة/ 252]
7- الحقُّ: النصيب الواجب للفرد
والجماعة، نحو:
حصل فلانٌ على ربع المحصول، والحقُّ أنْ يأخذ نِصْفه.
8- الحقُّ: السبب المُسَوِّغ، وفي
التنْزيل العزيز: )ولا تقتلوا النفسَ التي حرَّمَ اللهُ إلا بالحقِّ(
[الأنعام/ 151]
)ويقتُلون النبيِّينَ بغير الحقِّ(
[البقرة/ 61]
·
الحقُّ: معناه العام
لا يخلو من معنى الثبوت والمطابقة للواقع.
170- أَمَا، المخفَّفة الميم.
1- تكون حرف استفتاح بمنْزلة (أَلاَ).
ومن شأنها أن يصحَّ طرحُها من الكلام، وليس لها جواب يقترن بالفاء. جاء في (نهج
البلاغة): أمَا إنكم سَتَلقَون بعدي ذُلاًّ شاملاً.
وتكثر قبل القسَم، نحو:
أما والذي أبكى وأضحَكَ والذي
أمات وأحيا والذي أَمْرُهُ
الأَمْرُ
لقد تركَتْني أحسُد الوحش أن
أرى ألِيْفَيْن
منها لا يروعهما الذُّعْرُ
2- وتكون لتأكيد الكلام [وتُكْسَر
بعدها همزة (إنّ)]، نحو: أمَا إنّه لرجُلٌ كريم.
[تشبه (ألا) في التأكيد. وفي التنْزيل
العزيز: )ألاَ إنهم هُمُ
السُّفهاء( البقرة/13].
3- وتكون حرف عَرْض بمنْزلة (ألا)،
فتَختص بالفعل، نحو: أمَا تقوم، أمَا تزورُنا؟
وقد يُدَّعى في ذلك أن الهمزة للاستفهام التقريري (استفهام جحود)، مثلها في
(أَلَمْ) و(ألا)، وأنّ (ما) نافية، نحو: أمَا تستحي من
الناس؟ أي ألا تستحي من الناس؟
4- وتكون بمعنى (حقًّا)، وهذه تُفتح
(أنَّ) بعدها كما تفتح بعد (حقًّا)، نحو:
أمَا أنه كريم، أي: حقاً أنه كريم. ولكن: أما إنه كريم، تفيد التوكيد كما ذكرنا.
ملاحظة:
إذا صادفتَ التركيب (أما وقد) فاعْلَمْ
أن (أما) هذه هي المشدَّدة الميم، لأنك ستجد لها جواباً مقترناً بالفاء، ولأن معنى
هذا التركيب هو (مادام قد)؛ ومن المعلوم أن (مادام) مصدرية شرطية، وأنَّ
(أمّا)حرف شرط وتوكيد، وتَلْزمُ الفاءُ جوابَها أبداً.
قال أبو تمام (من البسيط):
أمّا وقد عِشْتَ يوماً بعد
رؤيته فافْخَرْ فإنّك أنتَ الفارسُ
النَّجُدُ
وقال جميل صدقي الزهاوي:
أمّا وقد جئت مصحوباً
بمقدرة فلا أبالي أقام الشرُّ أم
قَعَدا
وجاء في (الأغاني):
أمّا وقد حلفتَ، فإن ما
وفرتَه عليّ ولم تضيَّق به معيشتنا، آثَرُ في نفسي من المدح، فامْضِ مصاحَبًا...
ملاحظة 1: من الواضح أنه لا
يصحّ طرح (أمّا) من التركيب (أمّا وقد)، بخلاف (أمَا) المخففة الميم الاستفتاحية.
ملاحظة 2: إن ما أورده
العدناني، رحمه الله، في معجمه (الأخطاء اللغوية المعاصرة) عن (أما وقد) قد جانب
الصواب، إذ قال إن (أما) هنا مخففة الميم وأنها للاستفتاح، برغم وجود الفاء في
جوابها.
مصادر البحث: مغني اللبيب لابن هشام.
الأدوات النحوية لصلاح الدين الزعبلاوي: التراث العربي، العدد 53/ 34.
171- السِّيُّ؛ ولاسِيَّما.
·
جاء في معاجم اللغة: السِّيُّ:
المِثْل. يقال: هو/ هي سِيُّك/ سِيُّه. هما سِيَّان: مِثْلان (أي لا فرق بينهما).
ويقال: هذا وذاك سيّان.
·
ولاسِيَّما:
مُركَّبة من الواو [الاستئنافية] و (لا) النافية للجنس، و (سِيّ) بمعنى الِمثْل،
و(ما) التي تُعرب (زائدة) إذا كان ما بعد (سيّ) مجروراً أو منصوباً؛ أما إذا كان
ما بعدها مرفوعاً فتعرب (اسمَ موصول) مَبْنيًّا على السكون في محل جر مضاف إليه.
فإذا قلت: «تُستحبّ
الصدقة في شهر رمضان، ولاسيّما في العَشْرِ الأواخر» أفاد هذا التركيب (أي:
ولاسيّما) أن ما قبله وما بعده مشتركان في حُكم واحد، لكن ما بعده أوفر نصيباً من
هذا الحكم. فمعنى العبارة السابقة أن استحباب الصدقة في العشر الأواخر آكد وأفضل،
فهو مفضَّل على ما قبله.
ولا يَصحُّ حذف (لا)
من هذا التركيب، إذ يصير ما قبلها وما بعدها متساويين في الحكم، ويبقى المعنى على التسوية،
لا على التفضيل، أي يكون التقدير: تستحب الصدقة في شهر رمضان مِثل
استحبابها في العشر الأواخر. قال امرؤ القيس:
ألا رُبَّ يومٍ لك مِنْهُنَّ
صالحٍ ولاسِيَّما يومٍ بدارة
جُلْجُلِ
وقد نقل السخاوي عن ثعلب: «من قاله بغير
اللفظ الذي جاء به امرؤ القيس فقد أخطأ».
أي بغير (لا)؛ ووَجْهُ ذلك أن (لا) و
(سيّما) تَرَكَّبا وصارا كالكلمة الواحدة، وتُساق كما قلنا، لترجيح ما بعدها على
ما قبلها.
·
قال ابن هشام في «مُغْني
اللبيب»: ويجوز في الاسم الذي بعدها الجر و الرفع مطلقاً [أي سواء
كان الاسم نكرة أو معرفة، مذكَّراً أو مؤنثاً]، والنصب أيضاً إذا كان نكرة،
نحو:
- أُحبُّ الطيور ولاسيّما
شحرورٍ (شحروٌر مُغرِّدٌ)، (شحروراً مُغرِّداً).
- أُحبُّ الطيور ولاسيّما
الطائرِ المغرِّدِ (الطائرُ المغرّدُ).
·
أما صاحب النحو
الوافي (1/ 402) فأخذ بالرأي الآخر من باب التيسير، ليكون الحكم عاماً، فقال: يجوز
في الاسم الذي بعدها الرفع والنصب والجرّ، سواء أكان نكرة أم معرفة.
·
قال الأستاذ صلاح
الدين الزعبلاوي في «معجم أخطاء الكُتّاب»: إذا وَلِيَها اسمٌ معرفة، فقد منع
النصب كثيرون! وذكر أنه قد يلي (ولاسيما):
1-
ظرف،
نحو: أحب الفاكهة ولاسيما إذا كانت طازجة.
2- جار
ومجرور، نحو:
أتمتع بالمطالعة ولاسيما في بيتي.
3- جملة
حالية اسمية، نحو: يعجبني
الأستاذ فلان، ولاسيّما وهو يلقي الدرس.
4-
جملة حالية فعلية، نحو:
يستحق فلان الشكر على أعماله الطيبة، ولاسيما وقد أنقذ
الطفل من الغرق.
5- جملة
شرطية،
نحو: النَّمِر غادِرٌ، ولاسيما إن أبصر عدوَّه.
ملاحظة: تجريد (ولاسيّما) من
(الواو) جائز! قال الإمام الزمخشري في الكشاف (2/ 137):
«... أن يُغرق موسى في وصف
نفسه بالصدق في ذلك المقام، لاسيّما وقد رُوي أن فرعون قال له –
لمّا قال (إني رسول ربِّ العالمين)، كذبت!».
172- مالَ عنه/ إليه/ عليه...
جاء في معاجم اللغة: مال الشيءُ يَميل
مَيْلاً ومَيَلاناً: زال عن استوائه.
يقال: مالَ
الحائط ومالتِ الشمسُ.
- مالَ عنه: حادَ وعَدَلَ. يقال:
مال عن الحق/ عن الطريق.
- مالَ إلى: انعطف إلى.
قال الجاحظ: «الرأي
أن نَميل إلى منْزل «الوليد» فنُقِيْل فيه (أي ننام مدة القائلة [وهي النوم في
الظهيرة])».
- مال إليه: أحبَّه وانحاز إليه.
- مال عليه: انحنى عليه. قال
النويري: «جعل صاحبُ المنزل يلطُف بي ويميل عليّ بالحديث
(ينحني عليّ ليحادثني)».
- مالَ عليه: جارَ وظَلَم. يقال:
مالَ عليه الدهرُ: أثقل عليه بحوادثه.
- مال عليه: حَمَل عليه. وفي
التنْزيل العزيز: )وَدَّ الذين كفروا لو تغْفُلُون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم
مَيْلةً واحدة...(
[النساء/102]، أي فيَحملون عليكم/ فيشتدُّون عليكم.
- يقال: مالَ
الهوى به...
- ويُستعمل هذا الفعل مع لفظة (مع)،
وهي ليست حرف جر، بل اسمٌ يفيد المصاحبة واجتماع شيئين (أو أكثر). ومع ذلك من
المفيد الاطلاع على هذا الاستعمال.
قال الإمام الزمخشري في «الكشاف 1/259»:
«وهذا من مَيْلهم مع المعنى، وهو باب جليل من
علْم العربية».
- وقال الإمام عليّ بن أبي طالب، كرّم
الله وجهه: «إن الناس قد تغيرَّ كثير منهم فمالوا مع
الدنيا (أي تركوا التفكير في الآخرة، فصاروا يطلبون نعيم الدنيا)».
- وقال أيضاً: «يميلون مع كلِّ ريح»، أي لا يثبتون على مبدأ، بل يغيّرون رأيهم
وسلوكهم وَفْقَ مصالحهم الشخصية.
173- اِخْتَلَفَ/ اختلف عن/ في/ إلى/
على
هذا الفعل لم تشرحه المعاجم (حتى
الكبيرة جداً كاللسان والتاج والكبير) كما ينبغي! بمعنى أنها لم تستوف
استعمالاته الكثيرة. وفيما يلي عرض للمعاني التي صادفْتُها أثناء البحث في
عدد كبير من كتب اللغة.
- اختلف الشيءُ: تغيَّر، صار خلاف ما
كان عليه.
- اختلفت الأشياء: تغايرت.
- اختلف الشيءُ عليه: تغيّر عليه، وجده
مغايراً لِما ألِفَه.
جاء في كتاب الأغاني: «فلما رأى [الضيفُ] الخبزَ قد اختلف عليه، قال: كأنّكم
أرسلتم إلى الجيران... ».
-
اختلف الشيئان: لم يَتَّفقا، أو لم يتساويا.
- اختلف القوم: ضِدُّ اتفقوا. يقال:
اختلفوا بينهم.
- اختلفت الفصولُ ونحوُها: تعاقبت. وفي
التنْزيل العزيز: )إن في خَلْق السماوات والأرض واختلافِ الليل والنهار لآياتٍ لأولي
الألباب( [آل عمران/150]
- اختلفت الألسنة: تنوَّعت.
- اختلف عن كذا: تَمَّيز عنه،
بان عنه.
قال عباس محمود العقّاد: «إن المرأة تختلف عن الرجل في كثير من الظواهر والبواطن».
أي تتميز عنه ولا تتطابق معه ولا تتفق معه، وتَبِيْن عنه بَيْناً.
- اختلفوا في المسألة: ذهب رأيُ
كلٍّ منهم فيها إلى خلاف ما ذهب إليه الآخَر. وفي التنْزيل العزيز: )وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شِقاق بعيد(
[البقرة/176]، أي لم تتفق آراؤهم في الكتاب.
- يقال: هذا
أمرٌ لا يختلف فيه اثنان، أي مسلَّمٌ به، تتفق آراء الجميع فيه.
ويقال: اختلاف
الرأي لا يُفسِد للوُدِّ قضية (أي عدم اتفاق الرأي لا يُفسِدُ...).
- اختلف إلى المكان: تَردَّدَ
إليه (رجع مرة بعد أخرى).
- اختلف إلى فلان: تَردَّد إليه. يقال: فلان يختلف إلى فلان: يتعلم منه.
- اختلف عليه: اعتَرض عليه، خرج
عليه، تمرَّد عليه، ثار عليه...
قال عليه الصلاة والسلام: «دَعُوني ما تركتُكم، إنما أَهْلكَ مَن كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم
على أنبيائهم، فإذا نهيتُكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فَأْتُوا منه
ما استطعتم» رواه الشيخان. اختلافهم على أنبيائهم: اعتراضهم عليهم
أو إنكارهم أقوالهم أو أفعالهم، وجِدالهم فيما جاؤوهم به مِن شرع.
وجاء في نهج البلاغة بشرح ابن أبي
الحديد: «إذا بايعتْك قريش لم يختلف عليك أحدٌ من
العرب». أي لم يعترض عليك، أي اتفقوا عليك ولم يخذلوك.
وجاء في «النجوم الزاهرة» لابن تغري
بردي: «فلما كان [الحسن بن علي بن أبي طالب] في بعض
الطريق، اختلف عليه بعض أصحابه فضاق صدره». أي اعترض عليه بعض
أصحابه.
وجاء فيه أيضاً: «ولمّا زاد أمرُ ابن الفرات اختلف عليه الجند واضطربت
أمور الديار المصرية». أي تمرَّد عليه الجند و ...
وقال مصطفى صادق الرافعي (وحي القلم
1/81): «... إذ هو الحجة القاطعة، لا ينبغي أن يكون معها
غيرُها مما يختلف عليها أو يعارضها». [أي مما يعترض عليها أو يقاومها].
وقال (وحي القلم 3/ 148): «ومعاني الاختلاف لا تكون في الشيء المختلف فيه، بل في
الأنفُس المختلِفة عليه». أي في الأنفُس المتغايرة (في حُكمها) عليه!
[بتقدير محذوف كما نرى].
174- جَلَسَ عن يمينه وعلى يمينه، وعن
شِماله وعلى شِماله
قال الزمخشري في (الكشّاف 2/93): «فلمّا
سمعناهم يقولون [جلس عن يمينه وعلى يمينه، وعن شِماله وعلى شِماله] قلنا: معنى (على
يمينه) أنه تمكَّن من جهة اليمين تَمَكُّنَ المستعلي من المستعلى عليه.
ومعنى (عن يمينه) أنه جلس مُتَجافِياً عن صاحب اليمين منحرفاً عنه غير
مُلاصق له؛ ثم كثر حتى استُعمل في المتجافي وغيره».
175- رمى عن القوس، وعليها، ومنها
قال الزمخشري في (الكشاف 2/ 93): «يقال
رميتُ عن القوس، وعلى القوس، ومن القوس: لأن السهم يبعد عنها، ويستعليها إذا
وُضع على كبدها للرمي، ويبتدئ منها الرمي».
176- أخذ
جاء
في المعجم الوسيط:
«أخذ بكذا: أمسك به. وفي التنْزيل
العزيز: )وأخذ برأس أخيه
يَجُرُّه إليه(.
أخذ فلاناً بذنبه: جازاه؛ أخذ فلاناً
بالأمر: ألزمه».
ويقال: أخذ
برأي فلان (بتضمين أخذ معنى رضي، وتعديته من ثَم بالباء).
177- خرج
جاء
في الوسيط:
«خَرَجَ من الأمر أو الشدة:
خَلَصَ منه. وخرج من دَيْنه: قضاه؛ خرج على السلطان: تمرَّد وثار؛
خرج في العلم أو الصناعة: نبغ فيها؛ خرج به: أخرجه».
وجاء في نهج البلاغة (3/ 8): «فإن خرج عن أمرهم خارجٌ بطعن أو بدعة رَدُّوه إلى ما
خرج عنه».
استُعمل هنا (عن) فيما اطرد من معانيه،
وهو المجاوزة.
178- سكت
جاء
في الوسيط:
«سَكَتَ: صَمَتَ؛ وسكت الغضبُ عنه:
فَتَرَ أو زال».
ويقال: «سكت عن الأمر: أغفله أو جاوزه
أو تغاضى عنه مجازاً».
ويقال: «سكت على الجهل: سكت عنه صابراً
عليه»، بتضمين (سكت) معنى (صبر).
179- صبر
وجاء
في الوسيط:
«صَبَرَ على الأمر: احتمله ولم
يجزع؛ صبر عن الأمر: حَبَسَ نَفْسه عنه».
)وكيف تَصْبِر على ما لم تُحِط به خُبْراً(.
وفي نهج البلاغة (3/ 164): «الصبر صَبْران: صبرٌ على ما
تكره، وصبرٌ عمّا تُحِبّ».
قال الحجّاج بن يوسف: «...فإني رأيت الصبر عن مَحارم الله أيسر من الصبر على عذابه».
180- شكّ
جاء
في الوسيط:
«شكَّ في الأمر وغيره: ارتاب».
وقد فسَّر الإمام القرطبي الآية )فبأي
آلاء ربك تتمارى(
فقال: «فبأي نِعم ربك تشُكّ؟» فعدَّى شكَّ بالباء.
وفسّرها الزجّاج فقال: «فبأي آلاء ربك تتشكّك؟»
فعدّى تشكَّك بالباء.
وقال أبو تمام:
قالوا الرحيل فما شككْتُ بأنها
نفسي من الدنيا تريد رحيلاً
وهذا البيت من مختارات الناقد المشهور
القاضي الجرجاني صاحب «الوساطة»!
181- وثق
جاء
في الوسيط:
«وَثِقَ بفلان: ائتمنه فهو واثقٌ به». و
«تَوَثَّق في الأمر ومنه: أخذ فيه بالوثيقة أو الثقة».
وجاء في «الوساطة»: «كنت على ثقة من علمك وبصيرة بما عندك». وقال ابن
المقفّع في الأدب الكبير: «لستَ منهم على ثقة من دينٍ
أو رأي». لذا يصحّ أن يقال: أنا على ثقةٍ من
فلان، أو على ثقة من فَهْمك.
قال البديع الهمذاني في مقامته
(المطلبية): «لا يثق إلى أحد من الإخوان»
أي لا تطمئن نفسه إلى أحدٍ منهم (بتضمين وثق معنى اطمأن). وقال الشيخ محمد الخضر
حسين في كتابه «دراسات في اللغة/71»:
«...من طريق الرجوع إلى كتب
اللغة للوثوق من أن الألفاظ الواردة في هذا الوزن...».
182- نام
جاء
في الوسيط:
«نام: اضطجع أو نَعَسَ؛ نام عن حاجته:
غَفَل عنها ولم يهتمَّ بها؛ نام إليه: سَكَنَ واطمأن ووَثِق به».
وفي نهج البلاغة (3/ 78): «ينام الرجل على الثكْل، ولا ينام على الحَرَب».
قال الرضيّ: ومعنى ذلك أنه يصبر على قتل
الأولاد، ولا يصبر على سلْب الأموال.
يقال: نام على
الشيء/الأمر: سكن صابراً عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق