يعيش هذا الشعب في أرخبيل جزر الأندامان في
المحيط الهندي، على بعد عدة مئات من الكيلومترات من السواحل الهندية. استعمرت هذه
الجزر من قبل بريطانيا أولاً ثم اليابان، وألحقت بالهند بعد الحرب العالمية
الثانية عام 1947. لم يختلط شعب الجاراوا بالحضارة الإنسانية الراهنة إلا مع موجات
السياحة المؤلفة من آلاف السواح الذين يأتون إلى الجزيرة حيث يعيش الجاراوا، وذلك
طبعاً للاستمتاع بشواطئها المرجانية وتلك الأرض التي تعتبر قطعة من الجنة.
وموجات السواح هذه التي أخذت تغزوهم منذ مطلع
هذا القرن، وخاصة بعد التسونامي الذي ضرب المنطقة عام 2004، أخذت شكل حملات الصيد
الإنسانية مستغلة إياهم أبشع استغلال، سواء في معاملتهم والاعتداء عليهم واغتصاب
بناتهم ونقل الأمراض إليهم مثل الجدري وذات الرئة التي قضت في عام 1999 على 10%
منهم. خاصة بعد أن شقت الحكومة طريقاً خصص بالأصل للنقل المحلي، الذي استغله
السائحون لالتقاط الصور والفيديوهات وبيعها لاحقاً في الأسواق. كما أن الجزيرة
تمثل في نظر الحكومة منطقة استراتيجية فأقامت فيها أكبر مرافئ الهند، وهو أمر أحدث
نمواً اقتصادياً كبيراً ولكن على حساب شعب الجاراوا بالدرجة الأولى الذي يعتبر من
أقدم القبائل البدائية على وجه الأرض.
فقد غادر شعب الجاراوا أفريقيا منذ قرابة 70
ألف عام واستقر في أرخبيل أندامان منذ نحو 35 ألف سنة. وهم من قصار القامة، يبلغ
طول البالغين منهم 150 سم وسطياً. ويعيشون على الصيد وجني الثمار بشكل متناغم مع
البيئة والوسط الذي يعيشون فيه. وقد رفضوا بحدة الاختلاط بمستعمري الأرخبيل. ولم
يبق منهم حالياً سوى 420 فرداً. حاول هذا الشعب الشكوى لدى السلطات المحلية من سوء
المعاملة من الوافدين إلى هذه الجزيرة ولكن بلا طائل، بل على العكس فقد كانت
الشرطة تساعد السواح على أعمالهم الضارة بهذا الشعب في حالات كثيرة. كما أنهم
تعرضوا للقضاء على الوسط البيئي الذي يعيشون فيهم، إذ قام صيادون من الخارج بصيد
الحيوانات البرية التي كان شعب الجاراوا يعتمد عليها في قوته بلا أي ضابط، هذا غير
قطع الأشجار والغابات الجائر.
بقي أن نقول إن شعب الجاراوا لم يكن يعرف شيئاً من الحضارة الإنسانية لعقود قليلة خلت، فدهشوا من المصباح الذي يسمح بالسير ليلاً فأسموه "بالع الظلمة". وأن نقول أيضاً إن السواح لم ينسوا أن يجلبوا
لهذا الشعب السجائر والكحول. ويرد هذا الأخير على لسان ممثليه بأنهم لا يريدون هذه
الحضارة القاتلة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق