كثيراً ما نسمع عن
فترة "ما قبل التاريخ" دون أن يكون ذلك واضح التحديد في الأذهان. وفي الواقع تُعرّف
عموماً فترة ما قبل التاريخ بأنها الفترة بين ظهور الإنسانية وظهور أول وثيقة مكتوبة، وإن
كان هناك عدم اتفاق كامل على تلك الأخيرة. كما أن لحظة البداية أيضاً يصعب تحديدها
تماماً نتيجة التطور الذي حصل لدى الكائنات التي أدت إلى النوع الإنساني وذلك على
مرّ مئات آلاف السنين. وهذه البداية تختلف بحسب الباحثين بحسب المعايير المعتمدة
لتعريف من هو الإنسان، وهذه التعاريف يمكن أن تكون قائمة على تصنيف العضويات الحية
أو تكون قائمة على أصول أنثروبولوجية (التي تدرس الإنسان، المعاصر والقديم، من
الناحية البيولوجية والثقافية) أو ثقافية أو فلسفية حتى.
أدوات من الحجارة صنعها الإنسان منذ قرابة 1.7 مليون سنة في الحبشة |
فظهور النوع
البشري يعود إلى 2.8 مليون سنة وفقاً لاكتشافات حدثت عام 2015، تطور عنه إنسان
رودولف (نسبة إلى بحيرة رودولف في أفريقيا) منذ نحو 2.4 مليون سنة وكذلك الإنسان
الماهر homo habilis في شرق أفريقيا وأستراليا. ونجم عنهما الإنسان المنتصب، وأنتجا الأدوات
الحجرية.
قطعة نقدية من القرن الرابع قبل الميلاد في بابل تمثل على الأغلب داريوس الثالث |
أما فترة نهاية ما
قبل التاريخ وربطها بظهور الكتابة التي تعود إلى 3500 قبل الميلاد في مصر وسومر،
فإن ذلك يثير مشكلة أن ظهور الكتابة لم يكن في وقت واحد في مختلف المناطق
الجغرافية. كما أن هناك مجتمعات لم تعرف الكتابة إلا متأخرة، ولكن تقاليدها الشفهية
كانت متطورة كما في حالة حضارات أمريكا وأفريقيا. لذا اعتمد تعريف اقتصادي
واجتماعي لنهاية فترة ما قبل التاريخ يقول بأن ما قبل التاريخ انتهى مع تمكن
الإنسان من إنتاج مستلزمات بقائه. أي من الفترة التي تحول فيها إلى أن يكون
مزارعاً أو مربياً للماشية. أي الفترة التي أصبح فيها قادراً على استثمار موارد
يسيطر عليها ويديرها ولو جزئياً. وهذا يجعل نهاية ما قبل التاريخ تعود لتاريخ سابق
للكتابة بعدة آلاف من السنين، ويجعله يعود إلى فترة أول التجمعات الإنسانية
المترافقة مع بناء أو إنشاء السكن واعتماد التبادل التجاري والنقود.
بقي أن نقول إن فترة
ما قبل التاريخ هذه تقسم بين الفترة الباليوليتيكية (أي فترة الأحجار المشذبة)
والفترة النيولتيكية (أي فترة الأحجار المصقولة). وهناك من يقسمها تقسيمات أخرى
ترتبط بتطور صناعة الأدوات الحجرية التي تنتهي تقريباً في فترة تعود إلى 9 آلاف
سنة من الآن. أي أن فترة ما قبل التاريخ انتهت قبل بداية عملية التأريخ كتابة.