بَل
هي:
حرف
إضرابٍ عمّا قَبْلَها،
وإثباتٍ لِما بعدَها.
وتأتي على وجهين:
ثمّ إمّا أن يكون الكلام قبلها غلطاً أو نسياناً، فيكون ما بعدها
إصلاحاً لهما نحو: [شرب زهيرٌ ماءً بل حليباً]
و[اِشربْ ماءً بل حليباً].
وإما ألاّ يكون غلطاً أو نسياناً، فيكون ما بعدها ضدَّ ما قبلها نحو:
[لا
تصاحبِ الأحمقَ بل العاقلَ] و[لا نزورُ
العدوَّ بل الصديقَ].
ثمّ إمّا أن يُبطِلَ الذي بعدها الذي قبلها، ويسمّونه: [الإضراب
الإبطالي] نحو: [قيل: زيدٌ شجاعٌ، بل هو جبان].
وإما أن يُترَك ما قبلها على ما هو عليه فلا يُنقَض ولا يُبطَل، بل
يُنتَقَل إلى غرضٍ آخر غيرِه، ويسمّونه: [الإضراب الانتقالي] نحو: [إنّ
زهيراً جاهل. بل تشغَلنا شؤونُنا].
حُكْم: قد تُزاد [لا] قبل [بل] للتوكيد، نحو: [خالدٌ
متعلّمٌ، لا بل عالم] و[ما ودّعت زهيراً يوم
سفرِه، لا بل ودّعت الأُنس والطمأنينة].
* * *
نماذج فصيحة من استعمال [بل]
·
]لَبِثتُ
يوماً أو بعضَ يوم... بل لبِثتَ مئةَ عام[
(البقرة 2/259)
[بل]: هنا حرف ابتداء لدخولها على جملة [لبثتَ]. وكذلك هي كلما دخلت على جملة.
ثم هاهنا إضراب يسميه النحاة إضراباً إبطالياً. وإنما سمَّوه بذلك لأنّ ما بعدها
وهو: [لبثتَ مئة عام] قد أَبطَل ونَقَض ما قبلها وهو: [لبثتُ يوماً].
·
]أم
يقولون به جِنَّة بل جاءهم بالحقّ[
(المؤمنون 23/70)
ما في هذه الآية، يطابق ما في الآية السابقة. فـ [بل] حرف ابتداء لدخولها على
جملة [جاء]، والإضراب هاهنا هو الإضراب الذي يسميه النحاة إضراباً إبطالياً. لأنّ
ما بعد [بل] وهو: [جاءهم بالحقّ]، يُبطِل ويَنقض ما قبلها وهو قولهم [به جِنَّة].
·
]وقالوا
اتَّخذ الرحمانُ ولداً سبحانه بل عبادٌ مُكْرَمون[
(الأنبياء 21/26)
لا بدّ قبل البحث في [بل]، وما قبلها وما بعدها، من الوقوف عند كلمة [عبادٌ]
فإنّها خبر لمبتدأ محذوف تقديره [هم]، أي: [هم عبادٌ]. ولا وجه لإعرابٍ آخر يستقيم
معه الكلام. فهي خبرٌ، ليس غير. وإنما عرضنا لإعرابها لنُبيِّن أنّ ما بعد [بل] هو
جملة لا مفرد.
وإذ قد كان الأمر كذلك، فإنّ [بل] إذاً حرف ابتداء. وكذلك تكون، كلما دخلت على
جملة. ثم إنّ هاهنا إضراباً إبطالياً، لأنّ مابعد [بل] وهو: [هم عبادٌ مكرمون]،
يُبطِل ويَنقض ما قبلها وهو قولهم [اتّخذ الرحمانُ ولداً].
·
]ولا
تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربّهم يرزقون[
(آل عمران 3/169)
عمَدنا إلى إيراد هذه الآية بعد آيةِ:
]وقالوا
اتَّخذ الرحمانُ ولداً...
[
لما فيهما من التطابق في الأحكام. فـ [أحياءٌ] هنا، خبر - بالضرورة - لمبتدأ محذوف تقديره: [هم]،
أي: [هم أحياءٌ]. والذي بعد [بل] إذاً، هو جملة لا مفرد.
ومن ثمّ تكون [بل] حرف ابتداء لدخولها على جملة، ويكون الإضراب في الآية
إضراباً إبطاليّاً، لأنّ ما بعد [بل] وهو: [هم أحياءٌ]، يُبطِل ويَنقض ما قبلها وهو
[حُسبان القتلى في سبيل الله أمواتاً].
·
]قد
أفلح مَن تزكّى وذكر اسم ربّه فصلّى بل تُؤثرون الحياة الدنيا[
(الأعلى 87/14-16)
[بل]: في الآية حرف ابتداء، لدخولها على جملة هي [تؤثرون]. لكنّ الإضراب هاهنا
ليس إضراباً إبطالياً، بل هو الإضراب الذي يسمّيه النحاة: [إضراباً انتقاليّاً].
وبيان ذلك أنّ ما بعد [بل] وهو: [تؤثرون الحياة الدنيا] لم يَنقُض ولم يُبطِل الذي
قبلها وهو: [قد أفلح مَن تزكّى... فصلّى] بل تركه وأبقاه على ما هو عليه، ثم
انتقل إلى غرضٍ آخر غيره هو: [إيثار الحياة الدنيا]. ومن هنا أن النحاة يسمّون
هذا النوع من الإضراب: إضراباً انتقاليّاً.
·
]ولدينا
كتابٌ ينطق بالحقّ وهم لا يُظلمون بل قلوبُهم في غَمرة[
(المؤمنون 23/62-63)
[بل]: هاهنا على المنهاج، حرف ابتداء، لدخولها على جملةٍ، هي: [قلوبهم في
غمرة]. وأما الإضراب فإضرابٌ انتقاليّ. وبيان ذلك أنّ ما بعد [بل] وهو: [قلوبُهم في
غَمرة] لم يَنقُض ولم يُبطِل الذي قبلها وهو: [لدينا كتابٌ ينطق بالحقّ...] بل تركه
وأبقاه على ما هو عليه، ثم انتقل إلى غرضٍ آخر غيره، وهو أنّ: [قلوبُهم في
غَمرة]، ومن هنا أنْ قلنا: الإضراب في الآية إضراب انتقاليّ.
·
قال الشاعر (المغني /120):
وما هجَرْتُكِ، لا، بل زادني شَغَفاً هَجْرٌ وبُعْدٌ تراخَىْ
لا إِلى أَجَلِ
[بل] في البيت حرف ابتداء، لدخولها على جملة، هي: [زاد...]. ويلاحَظ في البيت
زيادة [لا] قبل [بل]. وإنما يكون ذلك لتوكيد ما قبلها.
·
وقال الآخر (المغني /120):
وَجْهُك البَدْرُ، لا، بل الشمسُ لو لم يُقْضَ للشمسِ كَسْفَةٌ أو
أُفُولُ
في البيت مسألتان:
الأولى: أنّ [بل] في البيت حرف عطف، إذ دخلت على اسم مفرد هو [الشمسُ] فعطفته
على [البدرُ]، وكذلك هي كلما دخلت على اسم. ومتى كانت حرف عطف، كان الكلام قبلها
كأنه غلطٌ أو نسيانٌ، وكان ما بعدها إصلاحاً لهذا الغلط والنسيان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق