إنَّ
من
الأحرف المشبهة بالفعل(1)
ينصب الاسم ويرفع الخبر، ويفيد التوكيد، نحو: [إنّ
خالداً مسافرٌ].
(انظر
الأحرف المشبهة بالفعل)
إذا اتصلت بها [ما] الزائدة، كفَّتها عن العمل، فعاد الكلام مبتدأً وخبراً، نحو: [إنّما أنت بَشَر].
إذا دخلت على مبتدأ مقترن بلام التوكيد(2) زُحلِقت اللام فأُخِّرت وجوباً، سواء كان ما تُزَحلَق إليه اسماً، نحو: [إنّ زهيراً لمسافر]، أو فعلاً مضارعاً، نحو: [إنّه ليحب العلم]، أو فعلاً ماضياً جامداً، نحو: [إنّه لنعم التلميذ]. وقد يتقدّم خبرها وهو شبه جملة، فلا تتقدّم اللام معه، بل تظل على تزحلقها فتلزم اسمَ [إنّ] المؤخّر، نحو: [إنّ في النفس لَتساؤلاً].
إذا تمّت جملتها كان العطف بعدها عطف جمل، نحو: [إنّ خالداً مسافرٌ، وزهيرٌ] = [وزهيرٌ مسافرٌ أيضاً] و[إنّ سعيداً مسافر، ومحمداً] = [وإنّ محمداً مسافر أيضاً](5).
تُفْتَح همزة: [إنّ] إذا صحّ أن يُسْبَك منها ومما بعدها مصدر، نحو: [علمت أَنّك مسافرٌ = علمت سفرك]. وتُكسَر إذا لم يصحّ ذلك نحو: [إنّ خالداً مسافرٌ](6).
* * *
نماذج فصيحة من استعمال [إنَّ]
·
]إنّ
ربي
لَسَميع
الدعاء[
(إبراهيم 14/39)
إذا دخلت [إنّ] على مبتدأ مقترن بلام التوكيد، زُحلِقت اللام فأُخِّرت
وجوباً. وقد تحقّق ذلك في الآية، إذ كان الكلام مبتدأً وخبراً: [ربي سميع]. ثمّ
أُكِّد بلام الابتداء [لَرَبي سميع]. ثم أُكِّد مرة أخرى بـ [إنّ] فاجتمع أداتا توكيد هما: [إنّ + اللام]
وهذا ممتنع. فزُحلقت اللام إلى الخبر: [إنّ ربي لسميع]، على المنهاج. إذ
القاعدة أنّهما إذا التقتا زُحلِقت اللام إلى الخبر، اسماً كان الخبر كما جاء
هاهنا، أو فعلاً كما يجيء في الآية التالية:
·
]إنّ
ربك
لَيَحكم
بينهم[
(النحل 16/124)
الكلام لو لم يكن قرآناً هو: [ربُّك يَحكم]. ثمّ أُكِّد بلام الابتداء
[لَرَبُّك يحكم]. ثم أُكِّد مرة أخرى بـ [إنّ] فاجتمع أداتا توكيد هما: [إنّ +
اللام] وهذا ممتنع. فزُحلقت اللام - على المنهاج - إلى الخبر وهو هنا جملة فعلية:
[إنّ ربك ليحكم].
·
]إنّ
في ذلك لَعِبرةً[
(النازعات 79/26)
الكلام لو لم يكن قرآناً، وقبل التقديم فيه والتأخير والتنكير هو: [العبرة في
ذلك]، ثمّ أُكِّد باللام: [لَلْعِبرةُ في ذلك]. ثمّ أُكِّد بـ [إنّ] أيضاً فاجتمع
مؤكِّدان هما: [إنّ + اللام] فوجبت زحلقة اللام إلى الخبر وهو شبه جملة: [في ذلك]،
فقيل: [إنّ العبرة لفي ذلك]. ثم أريد تقديم الخبر - مع جواز تنكير المبتدأ - فصار
النظم: [إنّ لفي ذلك عِبرة] وعاد اجتماع [إنّ + اللام] مرة أخرى، ووجبت الزحلقة
فقيل: [إنّ في ذلك لعبرةً].
ومثل ذلك طِبقاً قوله تعالى:
]وإنّ
لنا لَلآخرةَ والأولى[
(الليل 92/13). وقد عبّرنا عن ذلك في المتن فقلنا: قد يتقدّم خبر [إنّ] وهو شبه
جملة، فلا تتقدّم اللام معه، بل تظلّ على تزحلقها فتلزم اسم [إنّ] المؤخّر.
·
]قل
إنّما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنّما إلاهكم إلَهٌ واحد[
(الكهف
18/110)
إذا اتصلت [ما] الزائدة، بالأحرف المشبهة بالفعل كفّتها عن العمل فعاد الكلام مبتدأً وخبراً(7).
وفي الآية نموذجان من ذلك: الأول: [إنما أنا بشر]، فقد اتصلت [ما] بـ [إنّ] فكفّتها
عن العمل، فعادت كلمة [أنا] مبتدأً، وكلمة [بَشَر] خبراً للمبتدأ. والثاني: [أنما
إلاهكم إلهٌ]، والشيء نفسه هنا - ما عدا فتح الهمزة: [أنّ] - فالمبتدأ [إلاهُكم]،
والخبر [إلهٌ].
·
]يقول
إنّها بقرة صفراء[
(البقرة 2/66)
من القواعد المقرَّرة أنّ همزة [انّ] تُفتَح إذا صحّ أن يُسبَك منها ومما
بعدها مصدر، وتُكسَر إذا لم يصحّ ذلك. وعلى هذا يكون كَسْر همزة [انّ] هنا واجباً.
إذ لا يصحّ سبك مصدر منها ومما بعدها، فلو قلت: [يقول: صُفرتها] لكان المعنى
ناقصاً.
·
]وآتيناه
من الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوء[
(القصص 28/76)
[ما] في الآية اسم موصول وكسر همزة [انّ] بعده واجب. إذ لا يصحّ هنا سبك مصدر
منها ومما بعدها، فلا يقال: [آتيناه ما نَوء مفاتحه]، ولو قيل ذلك لكان المعنى
ناقصاً.
·
]أَلاَ
إنّهمْ هم السفهاء[
(البقرة 2/13)
[أَلاَ]: استفتاحية، فبعدها إذاً كلام مستأنف. والكسر هنا واجب، إذ لا يصحّ
سبك مصدر بعد [أَلاَ]، لأنه يَؤُوْل إلى: [أَلاَ سفاهتُهم]، وهذا معنىً ناقص، ولو
قيل، لم يكن كلاماً.
·
]وإنْ
يكاد الذين كفروا لَيُزلِقونك بأبصارهم[
(القلم 68/51)
[إنْ] مخففة مِن [إنّ] ومتى خُفِّفت أُهمِلت ولزمتها اللامُ الفارقة، ومن هنا
أن قيل:
[ليزلقونك].
وذلك في العربية كثير جداً. ومنه قوله تعالى:
·
]وإنْ
وجدنا أكثرهم لفاسقين[
(الأعراف 7/102)
فـ [إنْ] مخففة، ودخلت اللام الفارقة على [فاسقين].
ومثله من القرآن:
]وإنْ
نظنّك لمن الكاذبين[
(الشعراء 26/186)
[إنْ] مخففة، واللام هي الفارقة.
·
والآية:
]وإنْ
كانت لكبيرة[
(البقرة 2/143)
[إنْ] مخففة، واللام هي الفارقة.
·
ومن الشعر
قول
عاتكة
زوجة
الزبير،
تدعو على
قاتله
(الخزانة10/378):
شَلَّتْ يمينُك إنْ قتلتَ لَمسلماً حَلَّتْ عليك عقوبةُ
المتعمِّدِ
[إنْ] في البيت مخففة، واللام الداخلة على [مسلماً] هي الفارقة. والبيت شاهد
على أن اشتراطهم أن يكون الفعل بعد [إنْ] من النواسخ، شرط غير لازم.
·
قال النابغة (الأزهية /47):
وإنْ مالِكٌ لَلْمُرتَجَى إنْ تَقَعْقَعَتْ رَحَى الحربِ أو
دارتْ علَيَّ خُطوبُ
[إنْ مالِكٌ لَلْمُرتَجَى]: لولا أن يجنح الشاعر إلى التخفيف لقال: [إنّ مالكاً
المرتجى]. فيُعمِل [إنّ] فتنصب اسماً وترفع خبراً. ولكنه جنح إلى التخفيف فالإهمال
فقال: [إنْ]؛ فـ [مالكٌ] - إذاً - مبتدأ، و[المرتجى] خبر المبتدأ دخلت عليه اللام
الفارقة.
·
قال الطِّرِمّاح بن حكيم (الجنى الداني /134):
أنا ابنُ أباةِ الضيمِ من آل مالكٍ وإنْ مالكٌ كانت كرامَ المعادِنِ
قول الطرماح:[إنْ مالكٌ كانت...]، فيه نكتة يحسُن أن يتوقّف المرء عندها. وهي
أنّ الشاعر استعمل [إنّ] مخففة مهملة فقال: [إنْ مالكٌ]، ومع ذلك لم يأت باللام
الفارقة بعدها. والسرّ هنا أنّه يمدح قبيلته، ومدحه لها يمنع من أنْ تكون [إنْ] هي
النافية التي تُعَدّ من أخوات [ليس]، لأنّ اعتدادها كذلك يقلب مدحه لقبيلته ذمّاً !! إذ
يكون المعنى: [ليست قبيلة مالكٍ كرام المعادن] !!
ولما كانت هذه القرينة مانعة من أن يُظَنّ به إرادة الذم لقبيلته، جنح إلى
التخفيف فقال: [إنْ مالكٌ]، مستغنياً بالقرينة، عن الإتيان باللام الفارقة.
·
]إنّ
فيها
قوماً جبّارين[
(المائدة 5/22)
[قوماً] اسم إنّ وقد تأخر، وتقدّم عليه خبرها، وهو شبه الجملة
(الجار والمجرور):
[فيها]. والقاعدة أن أخبار الأحرف المشبهة بالفعل لا تتقدم على أسمائها، إلاّ أن
يكون الخبر شبه جملة فيجوز.
العودة إلى الأدوات
5-
أما قبل إتمام جملتها فالعطف عطف مفردات، فيقال مثلاً: [إنّ خالداً وسعيداً
مسافران].
6- بيان ذلك أن جملة [إنّ خالداً مسافرٌ] لو أُوِّلتْ بمصدر - جدلاً -
فقيل: [سفرُ خالدٍ] لكان المعنى ناقصاً. ومما لا يصحّ تأويله بمصدر أيضاً -
على سبيل المثال - جملة مقول القول،
نحو: [قال خالدٌ: (إنّ زهيراً مسافرٌ)]. فلا يصحّ: [قال خالد: سفرُ
زهيرٍ]، ومنه: [والله، إنّ خالداً مسافرٌ، أو والله إنّ خالداً لمسافرٌ]،
إذ لا يصحّ في الحالتين: [والله سفرُ خالدٍ]، ومنه كذلك: [جاء الذي إننا
نكرمه]، فلا يصحّ: [جاء الذي إكرامه]. ومما لا يصحّ تأويله بمصدر
أيضاً، وقوع [إنّ] وما بعدها، بعد [ألا] الاستفتاحية، نحو:
]ألا
إنّهم هم السفهاء[.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق