قد:
تدخل على الفعل ماضياً ومضارعاً. فتكون مع الماضي حرف تحقيق، نحو: [قد
سافر زهيرٌ]. ومع المضارع حرف تقليل، نحو: [قد
يسافر خالدٌ]. ولا يجوز فصلها عن الفعل إلاّ بقَسَم، نحو: [قد
- واللهِ - سافر زيد](1).
تنبيه: قد تكون [قد] مع الفعل المضارع للتحقيق، إذا دلّ على ذلك سياق
الكلام والقرائن، نحو:
]قد
يعلم اللهُ الذين يتسلّلون[
(النور 24/63)
فائدة: في تاريخ اللغة، أنّ [قد] كانت استُعمِلت بمعنى [حَسْب] وبمعنى
[يكفي]، نحو: [قَدْ زهيرٍ كتابٌ = حَسْبُ
زهيرٍ كتابٌ] و [قَدْنِي درهمٌ = يكفيني
درهمٌ].
* * *
نماذج فصيحة من استعمال [قد]
·
]قد
نرى تقلُّبَ وجهكَ في السماء[
(البقرة 2/144)
[قد نرى]: الأصل أن تجيء [قد] مع الفعل المضارع للتقليل، نحو: [قد نسافر]. لكن
لما كان فاعلُ الفعل المضارع في الآية هو اللّه تعالى - وكان تقليل الرؤية وكثرتها
مما لا يجوز على الله!! - كان معنى [قد] في الآية، التحقيق. وتزداد المسألة وضوحاً بالتوقف عند قوله تعالى:
]قد
يعلم اللهُ الذين يتسلّلون[
(النور 24/63)
فإنّ [قد] مع الفعل المضارع للتقليل أصلاً، ولكنّ تقليل العلم على الله تعالى
محال، فامتنع اعتدادها للتقليل، وصحّ اعتدادها للتحقيق، استرشاداً بالقرائن.
·
ومثل هذا طِبقاً، قولُه تعالى
]قد
يعلم ما أنتم عليه[
(النور 24/64)
فالتقليل هاهنا ممتنع محال، واعتدادها للتحقيق، هو الموافق للعقل والمنطق،
استرشاداً بالقرائن.
·
قال الشاعر (ديوان امرئ القيس /225):
قد
أشهدُ الغارةَ الشَّعواءَ تحملني
جرداءُ
معروقةُ اللَّحْيَيْنِ سُرحُوبُ
(الشعواء: المتفرّقة - الجرداء: الفرس القصيرة الشعر - المعروقة اللحيين:
القليلة لحم الخدّين - سرحوب: طويلة مشْرِفة).
[قد أشهد]: الفعل مضارع، ومع المضارع تكون [قد] أصلاً للتقليل. لكنّ الشاعر
هاهنا يفخر بأنه فارس مغوار، ومن كان هذا شأنه لم يفخر بقلّة غاراته، فبَطَلَ أن
تكون [قد] للتقليل، وصحّ اعتدادها مع الفعل المضارع للتحقيق.
·
ومثله قول عَبِيْد بن الأبرص (الديوان /49):
قد
أترك القِرْنَ مُصْفَرّاً أناملُه
كأنّ
أثوابَهُ مُجَّتْ بفِرْصادِ
(القِرن: المثيل في الشجاعة - مُجّت: يريد أنها صُبغَت - الفِرصاد: التُّوت:
شبّه الدم بعصارة التوت الحمراء)
فالشاعر يفتخر، ومع الفخر لا يكون التقليل. واسترشاداً بالقرائن والسياق تعتدّ
[قد] في البيت مع الفعل المضارع للتحقيق.
·
]قد
أفلح المؤمنون[
(المؤمنون 23/1)
[قد] في الآية للتحقيق، وذلك أنها متصلة بفعل ماض: [أفلح]. ومتى كان ذلك كذلك
فهي للتحقيق، على المنهاج. ومنه طِبقاً قوله تعالى:
]قد
سمع اللهُ قَولَ التي تجادلك[
(المجادلة 58/1)
·
قال الشاعر يخاطب خالد بن عبد الله القسريّ (المغني /186):
أخالدُ قد - والله - أوطأتَ عشوةً .........................
(أراد: ركبتَ أمراً على غير تبيُّن).
وقد فصل بين [قد] والفعل بقَسَم: [واللهِ]. ومن المقرّر أنّ [قد] تلزم الفعل
بغير فاصل. والنحاة يقولون في التعبير عن هذا: (قد مع الفعل كجزء منه فلا يُفصَل
بينهما إلاّ بقَسَم). والذي أتى به الشاعر هنا، إنما هو استفادة من هذا الجواز. فقد
فصل بينهما بالقسَم: [والله]، فيكون ما أتى به على المنهاج. ومنه قول الآخَر -
طِبقاً - (المغني /186):
فقد
- واللهِ - بَيَّنَ لي عَنائي بوشْكِ فراقهم، صُرَدٌ يَصيحُ
(الصرد: طائر، وقد أراد الشاعر أنّ صياح هذا الطائر كان شؤماً عليه ففارقه من
يحبّهم).
ومثل ذلك أيضاً أنه سُمِع: [قد - لعَمْري - بِتُّ
ساهراً] و [قد - واللهِ - أحسنتَ].
العودة إلى الأدوات
العودة إلى الأدوات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق