المبتدأ والخبر:
اسمان مرفوعان يؤلّفان جملة مفيدة. والأصل أن يتقدم المبتدأ ويتلوه الخبر،
ولكن قد يكون العكس. ولكلٍّ منهما أحكام نوردها فيما يلي:
حُكْم المبتدأ:
· أن يتقدّم على المبتدأ شبهُ جملة (ظرفٌ أو جارٌّ ومجرور) نحو: [عندنا ضيفٌ، وفي البيت كتابٌ].
أحكام الخبر:
¨ يشترط في الخبر أصلاً أن يطابق المبتدأ، إفراداً وتثنية وجمعاً، وتذكيراً وتأنيثاً. ويستثنى من ذلك أن يكون المبتدأ مشتقّاً، فإن معموله من فاعل أو نائب فاعل، يغني عن الخبر ويسدّ مسدّه. نحو: [أناجحٌ أخواك؟] و[ما مؤتمنٌ الغادرون](3).
¨ إذا تمت الفائدة بشبه الجملة (الظرف أو الجارّ والمجرور)كان هو الخبر نحو: [خالدٌ عندنا، وزيدٌ في البيت](4).
¨ قد يتعدّد الخبر، والمبتدأ واحد، نحو: [عنترةُ بطلٌ، شاعرٌ، فارسٌ].
¨ يُحذَف الخبر وجوباً في موضعين: بعد [لولا]، وبعد مبتدأ قَسَمِيّ. مثال الأول [لولا الكتابة - لضاع علمٌ كثير]، ومثال الثاني: [لَعَمْرُكَ لأُسافرَنَّ](5).
¨ إذا اتصل المبتدأ بضمير الخبر وجب تقديم الخبر نحو: [للضرورة أحكامُها] (للضرورة: شبه جملة، خبر مقدم، وأحكامها: مبتدأ مؤخر).
* * *
نماذج فصيحة من المبتدأ والخبر
· قال الشاعر:
خيْرُ اقترابِي من المولى، حليفَ رضاً وشرُّ بعديَ عنهُ، وهو غضبانُ
( المولى: ذو معانٍ مختلفة، منها الحليف ومنها ابن العمّ...).
[خيرُ]: مبتدأ خبرُه محذوف للعلم به. إذ المعنى: [خيرُ اقترابي من المولى، اقترابي منه،
حالة كونه حليفَ رضاً]. ومثل ذلك قوله في عَجُز البيت: [شرُّ بعديَ عنه،
وهو غضبانُ]، ففي العبارة خبرٌ حُذِف للعلم به، إذ المعنى: [شرُّ بعدي
عنه، بعدي عنه وهو غضبان](6). ومثل ذلك، الحديث الشريف:
· [أقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد].
[أقرب] مبتدأ خبره محذوف للعلم به. إذ المعنى: [أقرب ما يكون العبد من ربه، يتحقّق وهو ساجد].
· ]محمّدٌ رسول الله[ (الفتح 48/29)
[محمد]: مبتدأ مرفوع، وهو معرفة. ومجيء المبتدأ هاهنا معرفةً، على
المنهاج. إذ حُكْمُه في الأصل أن يكون كذلك؛ على أنه في مواضع كثيرة من
كلامهم، جاء نكرة، حتى لقد قيل بعد يأس من حصرها: إنّ الحَكَمَ في ذلك هو
السليقة. (لم يشترط سيبويه في الإخبار عن النكرة إلاّ حصول الفائدة).
· ]ويلٌ للمطفّفين[ (المطفّفين83/1)
(المطفّفون: هم الذين يكيلون لأنفسهم فيستوفون، فإذا كالوا للناس أنقصوا).
[ويلٌ]: مبتدأ مرفوعٌ نكرة. والأصل أن يكون معرفة؛ وإنما جاز مجيئه نكرة،
لأنّ بعده نعتاً حُذِف للعلم به. والتقدير: ويلٌ عظيمٌ للمطفّفين.
· ]سلامٌ عليكم[ (الأنعام 6/54)
[سلامٌ] مبتدأ نكرة، والأصل أن يكون معرفة. ولكن جاز تنكيره لأنّ هاهنا
محذوفاً جاز حذفه للعلم به. والتقدير: [سلامُ الله عليكم] أو [سلامُ
طمأنينة عليكم] أو [سلامٌ عامّ أو شاملٌ عليكم]، أو ما تشاء مما يصلح ويصحّ
تقديره، من نعت أو مضاف إليه.
· ]ولَعبْدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشرك[ (البقرة 2/221)
[لعبدٌ]: اللام للابتداء، [عبدٌ]: مبتدأ مرفوع، وهو نكرة، والأصل أن يكون
المبتدأ معرفة، غير أنه لما نُعِت، فقيل: [لَعبدٌ مؤمنٌ]، صحّ مجيئه نكرة.
· ]قُلْ كلٌّ يعمل على شاكلته[ (الإسراء 17/84)
[كلٌّ]: مبتدأ مرفوع، وهو نكرة. ولقد نوّهنا آنفاً بأنّ الأصل أن يكون
المبتدأ معرفة. غير أنه لما كان بعد [كلّ]، مضافٌ إليه مقدّرٌ محذوف، إذ
المعنى: [قل كلُّ أحدٍ يعمل...]، جاز أن يجيء المبتدأ نكرة.
· ]وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم[ (يوسف 12/76)
[فوق]: شبه جملة، ظرف مكان، وهو خبر مقدَّم، و[عليمٌ]: مبتدأ مؤخّر مرفوع،
وهو نكرة. وإذا تقدّم شبه الجملة (الظرف أو الجار والمجرور) على المبتدأ،
صحّ مجيء المبتدأ نكرة، كما رأيت هنا. وذلك كثير جدّاً في الكلام. ولقد جاء
شبه الجملة في الآية ظرفاً، وهو في الآية التالية جارّ ومجرور:
· ]لكلِّ أجلٍ كتاب[ (الرعد 13/38)
[لكلِّ]: شبه جملة، جارّ ومجرور، وهو خبر مقدَّم، و[كتابٌ] مبتدأ مؤخّر
مرفوع، وهو نكرة. ولقد قلنا آنفاً: إذا تقدّم شبه الجملة (الظرف أو الجارّ
والمجرور) على المبتدأ، صحّ مجيء المبتدأ نكرة، كما ترى في الآية. وذلك
كثير جداً في الكلام.
· ]أُكُلُها دائمٌ وظلُّها[ (الرعد 13/35)
[ظلُّها]: مبتدأ مرفوع، وهو معرفة، على المنهاج. غير أنّ خبره محذوف.
وإنما جاز حذفه للعلم به، وذلك أنه لما قيل: [أكلها دائم] دلّ هذا على أنّ
ظلَّها دائم أيضاً، فصحّ الحذف.
· ]وأنْ تصوموا خيرٌ لكم[ (البقرة 2/184)
[أنْ تصوموا]: أنْ، حرف مصدريّ ناصب، و[تصوموا]: مضارع منصوب، وواو الضمير
فاعل. ومعلومٌ أنّ [أنْ] والفعل المنصوب بعدها، يؤوّلان بمصدر. ويتحصّل من
ذلك أنهما معاً يعدلان أو يساويان أو يُعَدّان مصدراً، أي: [أنْ تصوموا = صيامُكم].
ومن المفيد أن نذْكر هنا، أنّ المبتدأ قد يكون ضميراً، نحو أنت مسافر، وقد
يكون اسماً صريحاً، نحو: خالدٌ ناجح، وقد يكون -كما رأيت في الآية -
مصدراً مؤوّلاً، أي: [صيامكم خيرٌ لكم](7).
· من أمثال العرب قولهم: [مُثْقَلٌ استعانَ بذَقَنِه].
(يضربونه مثلاً لمن يستعين بمن هو أذلّ منه وأضعف. وأصله أنّ البعير
يُحمَل عليه الحِمل الثقيل، فلا يقدر على النهوض، فيعتمد بذقَنِه على
الأرض).
الأصل في المثل: [بعيرٌ مثقل
استعان] فيكون [بعيرٌ] مبتدأً نكرة، وجملة: [استعان] خبره. وإنما جاز أن
يكون المبتدأ هنا نكرة - مع أنّ المبتدأ يجب أن يكون في الأصل معرفة - لأنه
نُعِت بـ [مثقل]. ومتى نُعتت النكرة، صحّ استعمالُها مبتدأً. ثمّ لما حذف
المبتدأ وهو [بعير]، غَدا نعته، وهو: [مثقلٌ]، خلفاً منه. ويلاحظ المرء
بشيء طفيف من التأمل، أنّ قاعدة ابن مالك الكلية: [وحذف ما يعلَم جائز]
تشمل هذه الحالة الجزئية، لأنّ العرب تعرف المثل، وتعرف لِمَ قيل، وتعرف ما
المقصود بـ [المثقل]، ولولا ذلك ما جاز أصلاً حذفه.
· ومن أمثالهم أيضاً: [شرٌّ أهرّ ذا ناب].
(يريدون أنّ السبُع إنما يصدر أصوات الهرير إذا غضب. يضربونه مثلاً لظهور أمارات الشرّ ومخايله).
[شرٌّ]: مبتدأ مرفوع، وهو نكرة. وإنما جاز ذلك - والأصل في المبتدأ أن
يكون معرفة - لأن هاهنا محذوفاً معلوماً، هو نعتٌ للنكرة، إذ الأصل قبل
الحذف: [شرٌّ مثيرٌ أهرّ ذا ناب]. ومعلوم أنّ النكرة إذا نُعتت صحّ الابتداء بها.
· قال الشاعر:
لَعَمْرُكَ ما الإنسان إلاّ ابنُ أمِّهِ على ما تَجَلّى يومُهُ، لا ابنُ أَمْسِهِ
[لعمرك]: اللام للابتداء، و[عمرك] مبتدأ مرفوع، خبره محذوف وجوباً، فكأن
الشاعر قال: حياتُك (عمرك) قسمي. والمقسَم عليه هو: [ما الإنسان إلاّ...].
وإنما يُحذف الخبر وجوباً في موضعين: بعد مبتدأ قسميّ،كالذي تراه هنا في
بيت الشاعر، وبعد [لولا] في نحو قولك: لولا الحارس لسُرق المال.
· قال الشاعر:
أقاطنٌ قومُ سلمى، أم نوَوا ظَعَناً إن يَظْعنوا فعجيبٌ عيش مَن قَطَنا
(قطن:أقام، وظعن: رحل).
[أقاطنٌ]: الهمزة للاستفهام. و[قاطنٌ]: مبتدأ مشتق (اسم فاعل)، و[قومُ
سلمى] فاعلٌ لهذا المشتق، أغنى عن الخبر وسدّ مسدّه. وذلك أن المبتدأ إذا
كان مشتقاً، أغنى معمولُه عن الخبر وسدّ مسدّه.
· قال الشاعر:
خبيرٌ بنو لِهْبٍ فلا تكُ مُلْغِياً مقالةَ لِهْبِيٍّ إذا الطير مَرَّتِ
(يريد أنَ بني لِهْبٍ يُحسنون زجْرَ الطير، تفاؤلاً وتشاؤماً، فخُذْ برأيهم إذا قالوا، فإنّ قولهم هو القول).
[خبير] مبتدأ مشتق (صفة مشبهة). و [بنو لهب] فاعل لهذا المشتق، أغنى عن
الخبر وسدّ مسدّه. وذلك أن المبتدأ إذا كان مشتقاً، أغنى معمولُه عن الخبر
وسدّ مسدّه.
العودة إلأى البحوث
العودة إلأى البحوث
1- حاول النحاة حصر مواضع ذلك، فوصلوا بها إلى أكثر من ثلاثين موضعاً، حتى قيل بعد يأسٍ من حصرها: الحَكَم في هذا هو السليقة.
2- إنّ من يُنعم النظر، يجد أنّ المواضع الأخرى التي يكون المبتدأ فيها نكرة، ترتدّ في الأكثر إلى نعت محذوف، أو مضاف
إليه محذوف. ففي نحو: [ويلٌ له]، إذا قدرتَ صفة صار الكلام: [ويلٌ عظيم
له]. وفي: [سلامٌ عليك]، إذا قدرت مضافاً إليه صار الكلام: [سلامُ الله
عليك]. وفي: [خروفٌ خيرٌ من دجاجة]، إذا قدّرت نعتاً محذوفاً صار الكلام:
[خروف مشبِعٌ جماعةً خير من دجاجة] وهكذا...
3-
يصحّ في هذه الحال أن يحلّ محلَّ المشتق فِعْلُه. [أخواك] فاعلٌ لاسم
الفاعل [ناجحٌ]، و[الغادرون] نائب فاعل لاسم المفعول [مؤتَمَن].
4- [عند] و[في البيت]: كلاهما شبه جملة هو الخبر.
5- التقدير في المثال الأول: [لولا الكتابةُ موجودةٌ لَضاع علمٌ كثير]. وفي المثال الثاني: [لعمرُك قسمي لأُسافِرَنَّ].
6- لا التفات إلى تعسير مَن يقول: إنّ الحال: [حليفَ]، وجملة الحال [وهو غضبان] سدّا مسدَّ خبر محذوف وجوباً في العبارتين.
7- يقول المعربون في هذه الحال: أنْ وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع على أنه مبتدأ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق