الفاعل
الفاعل: اسم مرفوعٌ، يُسنَد إليه فعلٌ، أوشبهُه(1) نحو قولك: [سافر خالدٌ]؛ وقد يكون مصدراً مؤوّلاً، نحو قولك: [سرّني أن تنجح = سرني نجاحُك]. والأصل أن يتقدم الفاعل على المفعول به، ولكن يجوز العكس. وسياق الكلام يزيل اللبس.
- يُذكّر الفعل وجوباً إذا كان فاعلُه مذكّراً. مفرداً كان، أو مثنى، أو جمع مذكر سالماً(2) مثال ذلك: [قصَفَ الرعدُ - سقط الجداران - سافر المعلمون].
- يؤنّث الفعل وجوباً في حالتين فقط:
الحالة الأولى: أن يكون فاعله حقيقي التأنيث(3)، غير مفصول عنه، مفرداً كان، أو مثنى، أو جمعاً سالماً(2) نحو:[سافرت الطالبة - سافرت الطالبتان - سافرت الطالبات].
الحالة الثانية: أن يتقدّم عليه فاعلُه المؤنث، مفرداً كان، أو مثنى، أو جمعاً(4): مثال ذلك: [الشمس طلعت - زينب سافرت - الطالبتان سافرتا وتسافران - الطالبات سافرت وسافرن وتسافر ويسافرن - والجِمال سارت وسرن وتسير ويسرن](5).
· أما
في غير هذه الحالات الثلاث: (أي: حالة وجوب التذكير إذا كان الفاعل
مذكراً، وحالَتَيْ وجوب التأنيث إذا كان الفاعل حقيقي التأنيث غير مفصول عن
فعله. أو مؤنثاً مطلقاً متقدماً على فعله)، فيجوز التذكير والتأنيث،
والمرء بالخيار.
مسألة عظيمة الخطر: تقول
مدرسة الكوفة: يجوز أن يتقدّم الفاعل على فعله، ففي نحو: [خالدٌ سافر]،
يجيزون أن يُعرب [خالدٌ] فاعلاً مقدّماً. وأما مدرسة البصرة فتقول: بل
[خالدٌ] في المثال إعرابه: [مبتدأ] ولا يجوز إعرابه فاعلاً. (انظر التفصيل
في بحث: جزم الفعل المضارع).
* * *
نماذج فصيحة من استعمال الفاعل
· ]حتى توارتْ بالحجاب[ (ص 38/32)
أي توارت الشمس، فـ [الشمس]
هي الفاعل، وإنما حُذِفت-وإنْ لم يسبق لها ذكر-لأن السياق دلّ عليها. وليس
مثلُ هذا الحذف مقصوراً على الفاعل، بل هو عامّ، حين يُعرف المحذوف ويَدلّ
عليه دليل. وقد أبَّد ذلك ابن مالك في بيتٍ خالد، إذ قال:
وحذفُ ما يُعلَمُ جائزٌ كما تقول: [زيدٌ]، بعدَ [مَن عندكما]
ومِن هذا أيضاً، قول بشّار (الديوان 4/184):
إذا ما غضبْنا غضْبةً مضريَّةً هتكنا حجاب الشمس أو تقطرَ الدما
أي: تقطر السيوف دماً، وقد حذف [السيوف] وهي فاعل، إذ دلّ عليها السياق.
· ]ومن الناس والدوابّ والأنعام مختلفٌ ألوانُه كذلك[ (فاطر 35/28)
من المقرر أن ما يشبه الفعل: كالصفة المشبهة واسم الفعل واسم الفاعل...
يَرفعُ فاعلاً، كما يَرفَع الفعلُ فاعلاً. فأما ما يشبه الفعل هنا، فهو
[مختلفٌ] فإنه اسم فاعل مِن [اختلف]، وأما فاعله فهو: [ألوانُه].
· ]وإنْ أحدٌ من المشركين استجارك فأَجِرْهُ حتى يسمع كلام الله[ (التوبة 9/6)
[أحدٌ]: فاعل مقدّم لفعل: [استجار] - في مذهب الكوفة، إذ تجيز إعراب
الفاعل فاعلاً، سواء أتقدم على فعله أم تأخر عنه - وأما في مذهب البصرة،
التي تمنع دخول أدوات الشرط على الأسماء وتمنع تقدم الفاعل على فعله، فإنّ
[أحدٌ] فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور، أي: [وإن استجارك أحدٌ
استجارك فأجره].
· ومِن نحو هذا قولُ السموءل:
إذا سيّدٌ منّا خلا قام سيّدٌ قؤولٌ لما قال الكرامُ فعولُ
وفيه أنّ [سيّدٌ] في مذهب الكوفة، يجوز أن يُعرَب فاعلاً مقدّماً على فعله
[خلا]، وفي مذهب البصرة أنه فاعل لفعل محذوف يفسّره فعل [خلا] المذكور،
أي: إذا خلا سيد منا خلا.
· ومثل ذلك طِبقاً، قولُ تأبط شراً (الديوان /86):
إذا المرءُ لم يَحْتَلْ وقد جَدَّ جِدُّهُ أضاع وقاسى أمرَهُ وهو مُدْبِرُ
فقد تقدّم الفاعل: [المرءُ]،
على فعله: [لم يَحْتَلْ]، فيجوز أن يُعرَب فاعلاً، عند الكوفيين. على حين
هو - عند البصريين - فاعل لفعل محذوف يفسّره فعل [لم يَحْتَلْ] المذكور،
أي: إذا لم يحتل المرء لم يحتل.
· ]فمن جاءه موعظةٌ من ربه[ (البقرة 2/275)
لا مطابقة هنا في الآية، بين الفعل وفاعلِه. فالفعل: [جاء] مذكر، وفاعله:
[موعظةٌ] مؤنث. وذلك جائز، لأن المطابقة - إذا كان الفاعل مؤنثاً - إنما
تكون واجبةً في حالتين:
الأولى أن يتقدّم الفاعل المؤنث على فعله. وهذا غير متحقّق في الآية. فـ [موعظة] فاعل مؤنث، ولكنه لم يتقدّم على فعله.
والثانية أن يكون الفاعل حقيقي التأنيث، غير مفصول عن فعله. وهذا أيضاً لم
يتحقق في الآية. فـ [موعظة] مؤنث غير حقيقي. فضلاً عن أنه مفصول عن فعله
بالهاء. ولو لم يكن الكلام قرآناً لجاز أيضاً أن يقال: [فمن جاءته موعظةٌ من ربه].
· ]وأخذ الذين ظلموا الصيحةُ[ (هود 11/67)
الشأن في الآية هنا، كالشأن في الآية السابقة، فالفعل: [أخذ] مذكر،
وفاعله: [الصيحةُ] مؤنث. فلا مطابقة إذاً بينهما، وذلك جائز، لأنّ المطابقة
إنما تكون واجبةً في حالتين هما: أن يتقدّم الفاعل المؤنث على فعله، أو أن
يكون حقيقي التأنيث، غير مفصول عن فعله. والآيةلم يتحقق فيها أيّ منهما،
فجاز التذكير والتأنيث. ودليل ذلك وبرهانه، قولُه تعالى من السورة نفسها: ]وأخذت الذين ظلموا الصيحةُ[ (هود11/94) فقد وَرَدَ الفعل هنا مؤنثاً، إذ لم يتحقق أيّ من شرطَي الوجوب المذكورين آنفاً.
· ]إذا جاءك المؤمنات يبايعنك[ (الممتحنة 60/12)
[جاء]: فعل مذكر، و [المؤمنات]: فاعلٌ مؤنث، حقيقي التأنيث، ولم يتطابقا.
لأنّ المطابقة لا تكون واجبة، إلا في الحالتين اللتين ذكرناهما آنفاً،
وهما: أن يتقدّم الفاعل المؤنث على فعله، أو يكون حقيقي التأنيث، غير مفصول
عن فعله. والآية لم يتحقق فيها أيّ منهما، فالفاعل لم يتقدّم على فعله،
ثمّ إنه - وإن تأخّر عن الفعل وكان حقيقي التأنيث - قد فصل بينهما فاصل هو
كاف الضمير في [جاءك]. وعلى ذلك جاز التذكير والتأنيث. ولولم يكن الكلام
قرآناً، لجاز أن يقال أيضاً: [إذا جاءتك المؤمنات].
· قال الشاعر:
إنّ امرأً غرَّهُ منكنَّ واحدةٌ بَعْدي وبعدكِ في الدنيا لَمَغْرورُ
[واحدة] (أي امرأة واحدة)، فاعلٌ حقيقي التأنيث، لكنْ فُصِل بينه وبين
فعله بهاء الضمير، فضلاً على الجارّ والمجرور: [منكنّ]، فكانت المطابقة غير
واجبة، وجاز التأنيث والتذكير. ولولا أن ينكسر الوزن لجاز أن يقول الشاعر
أيضاً: [غرته منكن واحدة].
· ]آمنتْ به بنو إسرائيل[ (يونس 10/90)
من المقرّر أنّ الفعل يُذكَّر وجوباً في حالة واحدة فقط. هي أن يكون الفاعل مذكراً، مفرداً كان أو مثنى، أو جمع مذكر سالماً - تحديداً دون غيره من الجموع - ولما كان الفاعل في الآية وهو: [بنو] ملحقاً بالمذكر السالم، وليس مذكراً سالماً، انتفى وجوب التذكير، وجاز الوجهان: التذكير والتأنيث. ولو لم يكن الكلام قرآناً، لجاز أن يقال أيضاً: [آمن به بنو إسرائيل].
· قال النابغة الذبياني (الديوان /82):
قالت بنو عامرٍ: خالُوا بني أسدٍ يا بؤسَ لِلجَهلِ ضرّاراً لأقوامِ
(خالوا بني أسدٍ: أي اقطعوا حلفهم).
تقدّم في الآية آنفاً: أنّ الفعل يُذكَّر وجوباً في حالة واحدة فقط. هي أن يكون الفاعل مذكراً، مفرداً كان أو مثنى، أو جمع مذكر سالماً - تحديداً دون غيره من الجموع - ولما كان الفاعل في البيت، وهو: [بنو]، ملحقاً بالمذكر السالم، وليس مذكراً سالماً،انتفى وجوب التذكير، وجاز الوجهان: التذكير والتأنيث. وعلى ذلك جاز في البيت، [قالت بنو عامر]، ويجوز للشاعر - لو أراد - أن يقول: [قال بنو عامر].
· قال عَبْدَة بن الطبيب:
فبكى بناتي شجوهنّ وزوجتي والظاعنون إليَّ ثمّ تصدّعوا
لا مطابقة في البيت، بين الفعل وفاعله، فالفعل: [بكى] مذكر، وفاعله: [بناتي] مؤنث.
ولقد جاز ذلك، لأن المطابقة إنما تجب في حالتين إحداهما: أن يكون الفاعل
حقيقي التأنيث، غير مفصول عن فعله، مفرداً كان أو مثنى أو جمع مؤنث سالماً.
ولما كان الفاعل: [بناتي] ليس جمع مؤنث سالماً انتفى وجوب التأنيث وجاز
الوجهان: التأنيث والتذكير. ولو قال الشاعر: [بكت بناتي] لجاز ذلك.
· ]كذّبتْ قومُ نوحٍ المرسلين[ (الشعراء 26/105)
لا مطابقة في الآية، فالفعل مؤنث: [كذبت]، والفاعل مذكر: [قوم]. وقد جاز ذلك لأن وجوب التذكير لم يتحقق شرطه، وهو: أن يكون الفاعل مذكراً، مفرداً كان أو مثنى أو جمع مذكر سالماً - تحديداً دون غيره من الجموع - ولما
كان الفاعل: [قوم] ليس جمع مذكر سالماً - وإنْ دلّ على كثير - انتفى وجوب
التذكير، وجاز الوجهان: التأنيث والتذكير. ومنه أنْ جاء التذكير في قوله
تعالى: ]وكَذّب به قومُك وهو الحقّ[ (الأنعام 6/66)
· ]إذ قالت امرأة عمران[ (آل عمران 3/35)
الفعل في الآية مؤنث: [قالت]، وفاعله أيضاً مؤنثٌ: [امرأة]، فالمطابقة
إذاً متحققة، وهي مطابقة واجبة قولاً واحداً. وذلك أنّ الفاعل متى كان
اسماً حقيقي التأنيث غير مفصول عن فعله، كان تأنيث فعله واجباً. ولقد تحقق
ذلك في الآية: فـ [امرأة] فاعل حقيقي التأنيث، لا يفصله فاصل عن فعله: [قالت]، ومن هنا كانت المطابقة واجبة.
1- إذا قيل: [سافر خالدٌ]، قال النحاة: في هذه الجملة مسنَدٌ هو: [سافر] ومسندٌ إليه هو: [خالد]. وأمّا ما يشبه الفعل فهو ما يعمل عمله مثل: [اسم الفعل، والصفة المشبهة، واسم الفاعل إلخ...] فالمرفوع بعدها فاعل لها نحو: [هيهات السفر - سعيدٌ جميلٌ وجهُه - خالدٌ ناجحٌ سعيُه...].
2- دون غيره من الجموع الأخرى، كجمع التكسير، والملحق بالجمع السالم،
فهذه جائز تذكير الفعل معها لا واجب. على أن الكوفيين يجيزون التذكير
والتأنيث في كل جمع مطلقاً. وأما أبو علي الفارسي فيستثني جمع المذكر
السالم من هذا الإطلاق فلا يجيز فيه إلاّ التذكير.
3- يراد بالحقيقي التأنيث: ما يتناسل.
4- المراد بالجمع هنا كلُّ جمعٍ مؤنث مطلقاً: أي جمع السلامة، نحو: [الطالبات]، وجمع التكسير، نحو: [الحوامل]، وجمع غير العاقل، نحو: [الجِمال].
5-
يصحّ أن يقال في التثنية: [الفتاتان تسافران ويسافران]، وفي الجمع:
[الفتيات تسافرن ويسافرن]، فالتاء والياء، كلاهما جائز، في الحالتين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق